للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد]

الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد, والنظر في طرفين في وجوب الأول العمل به دل عليه السمع وقال ابن سريج والقفال والبصري: دل العقل أيضا وأنكره قوم لعدم الدليل أو للدليل على عدمه شرعا أو عقلا وأحاله آخرون, واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية". أقول: شرع في القسم الثالث من أقسام الخبر, وهو الذي لا يعلم صدقه ولا كذبه, وله ثلاثة أحوال أحدها: أن يترجح احتمال صدقه كخبر العدل. والثاني: عكسه كخبر الفاسق.

والثالث: أن يتساوى الأمران كخبر المجهول ولم يتعرض للقسمين الآخرين لعدم وجوب العمل بهما كما سيأتي وأشار إلى الأول بقوله: فيما ظن صدقه, فإن ظن الصدق من لوازم رجحان احتماله. وعرفه بقوله: وهو خبر العدل الواحد, واحترز بالعدل عن القسمين الأخيرين، وبالواحد عن المتواتر، فإن خبر الواحد في اصطلاحهم عبارة عما ليس بمتواتر، سواء كان مستفيضا وهو الذي زادت رواته على ثلاثة كما جزم به الآمدي وابن الحاجب, أو غير مستفيض وهو ما رواه الثلاثة أو أقل، ومقصود الفصل منحصر في طرفين, الأول: في وجوب العمل به وقد اختلفوا فيه؛ فذهب الجمهور إلى أنه واجب, لكن قال أكثرهم: وجوبه الدليل السمعي فقط. وقال ابن سريج والقفال الشاشي وأبو الحسين البصري: دل على وجوبه العقل والنقل، وأنكر قوم وجوب العمل به. ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: ذلك الدليل المانع له شرعي، وقال بعضهم: عقلي, وإلى هذين المذهبين أشار بقوله: شرعا أو عقلا, وذهب آخرون إلى أن ورود العمل به مستحيل عقلا. واعلم أن كلام المحصول يوهم المغايرة بين هذا المذهب وما قبله فتابعه المصنف، والذي يظهر أنه متحد به فتأمله، ويقوي الاتحاد أن صاحب الحاصل والتحصيل وغيرهما من المختصرين لكلام الإمام لم يغايروا بينهما، واقتصروا على الأول إلا أن يفرق بينهما, بأن الأول في الإيجاب والثاني في الجواز. قوله: "واتفقوا" أي: اتفق الكل على وجوب العمل بخبر الواحد في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية؛ كإخبار طبيب أو غيره بمضرة شيء مثلا، وإخبار شخص عن المالك أنه منع من التصرف في ثماره بعد أن أباحها، وشبه ذلك من الآراء والحروب ونحوها، وهذه العبارة التي ذكرها المصنف ذكرها صاحب الحاصل، وعبر في المحصول بقوله: ثم إن الخصوم بأسرهم اتفقوا على جواز العمل بالخبر الذي لا يعلم صحته كما في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية. هذا لفظه وبين العبارتين فرق لا يخفى. قال: "لنا وجوه, الأول: أنه تعالى أوجب الحذر بإنذار طائفة من الفرقة، والإنذار الخبر المخوف، والفرقة ثلاثة, والطائفة واحد أو اثنان، قيل: لعل للترجي قلنا: تعذر فيحمل على الإيجاب لمشاركته في التوقع, قيل: الإنذار الفتوى قلنا: يلزم تخصيص الإنذار, والقوم بغير المجتهدين والرواية ينتفع بها المجتهد وغيره، قيل: فيلزم أن يخرج من كل ثلاثة واحد, قلنا: خص النص فيه. الثاني: أنه لو لم يقبل لما علل بالفسق؛ لأن ما بالذات لا يكون بالغير, والتالي باطل لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] . الثالث: القياس على الفتوى والشهادة. قيل: يقتضيان شرعا خاصا والرواية عاما، ورد بأصل الفتوى قيل: لو جاز لجاز اتباع الأنبياء والاعتقاد بالظن، قلنا: ما الجامع؟ قيل: الشرع يتبع المصلحة, والظن لا يجعل ما ليس بمصلحة مصلحة, قلنا: منقوض بالفتوى والأمور الدنيوية". أقول: احتج المصنف على وجوب العمل بخبر الواحد بثلاثة أوجه, الأول: قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

<<  <   >  >>