للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اختلاف القدرية في الظلم والعدل. والتحقيق فيه]

اختلفت القدرية (١) والجهمية الجبرية في الظلم:

فقالت القدرية: الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضًا. فإذا قيل إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي كان هذا ظلمًا كظلمنا، وسموا أنفسهم (العدلية) .

وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده. فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم؛ فإن الظلم إما مخالفة أمرِ مَنْ تجب طاعته، وإما التصرف في ملك الغير بغير إذنه والرب ليس فوقه آمر ولا لغيره ملك بل إنما يتصرف في ملكه فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعَّمَ فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدًا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس فالجميع بالنسبة إليه سواء.

والقدرية يقولون: إن الله سوَّى بين المكلفين في القدرة ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا فضل المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا. وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح.

ومن اعتقد أن مِنَّته على المؤمنين بالهداية دون الكافرين ظلم منه فهذا جهل لأن هذا تفضل منه كما قال تعالى:

{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ


(١) القدرية حدثوا في أوائل المائة الأولى من زمن ابن الزبير وعبد الملك.

<<  <   >  >>