للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أدواء الجسوم والأرواح. فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتًا لا فائدة فيه. وإن كان حسن الطلاوة في السمع. كما أن الميت لم ينقص من شخصه شيء في رأي العين إلا أنه لا ينتفع به ولا يفيد فائدة. وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى لأنا لا نجد روحًا في جسم ألبته".

وهذا الذي ذكره ابن رشيق كما يجري في الشعر ينطبق على النثر تمامًا: "وبعضهم وأظنه ابن وكيع مثل المعنى بالصورة واللفظ بالكسوة. فإن لم تقابل الصورة الحسناء بما يشاكلها ويليق بها من اللباس. فقد بخست حقها وتضاءلت في عين مبصرها"١.

ويقول ابن الأثير٢:

"اعلم أن العرب كما كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذبها فإن المعاني أقوى عندها. وأكرم عليها. وأشرف قدرًا في نفوسها، فأول ذلك عنايتها بالألفاظ لأنها لما كانت عنوان معانيها. وطريقًا إلى إظهار أغراضها أصلحوها وزينوها، وبالغوا في تحسينها ليكون ذلك أوقع لها في النفس وأذهب بها في الدلالة على القصد. فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها. ورققوا حواشيها وصقلوا أطرافها فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ فقط. بل هي خدمة منهم للمعاني. ونظير ذلك إبراز الصور الحسناء في الحلل الموشية والأثواب المحبرة. فإنا قد نجد من المعاني الفاهرة ما يشوه من حسنه بذاذة لفظه وسوء العبارة عنه".

والمطابقة بين اللفظ والمعنى تتحقق بالتعبير الطبيعي الذي يترك فيه الأديب نفسه على سجيتها السمحة دون أن يعمد إلى صنعة شاذة أو تكليف ممقوت.

فيكون من ذلك المساواة وصدق الأداء وتنوع العبارة حسب الموضوع والشخصية كما سبق ذلك فلا حاجة إلى إعادته أو تمثيله.


١ نفس المرجع، ص٨٢.
٢ المثل السائر، ص١٣٧.

<<  <   >  >>