للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول حيان بن ربيعة الطائي في التجنيس:

لقد علم القبائل أن قومي ... لهم حد إذا لبس الحديد١

وقول زهير في المطابقة:

ليث بعثر يصطاد الرجال، إذا ... ما الليث كذب عن أقرنه صدقا٢

"فلما أفضى الشعر إلى المحدثين، رأوا مواقع تلك الأبيات من الغرابة البديع، فمن محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومقتصد ومفرط"٣. وقد قيل إن "أول من فتق البديع من المحدثين بشار بن برد وابن هرمة وهو ساقة العرب، وآخر من يستشهده بشعره، ثم أتبعها مقتديًا بهما كلثوم بن عمر العتابي، ومنصور النمري، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، واتبع هؤلاء حبيب الطائي، والوليد البحتري، وعبد الله بن المعتز فانتهى علم البديع والصنعة إليه، وختم به"٤.

والذي يعنينا هنا -في الشعر- أن هؤلاء الشعراء اختلفوا في مقدار عنايتهم بالصنعة البديعية، فاختلفت أساليبهم في النظم تبعًا لذلك: فأما أبو تمام فكان -في كثير من شعره- أشد الشعراء تعلقًا بالبديع، وأكثرهم تكلفًا له، ولا سيما الطباق، والجناس، والاستعارة والتقسيم، حتى شوهت شعره، وذهبت بكثير من روعته وجلاله؛ فإذا لاحظنا أنه أضاف إلى ذلك محاولته الإغراب اللفظي تقليدًا للقدماء، ثم اجتلابه المعاني الغامضة، والأغراض الخفية التي احتمل في سبيلها كل غث ثقيل، علمنا سر ما تورط فيه من اضطراب في التعبير، وتعقيد في الأسلوب، حتى صار هذا القسم من شعره إذ قرئ أجهد الفكر، وكذا الخاطر في فهم معانيه، وتصور أخيلته وأغراضه، وما كان هذا سبيل الشعر، ولا أسلوب الفن الجميل،


١ الحد: البأس والقوة.
٢ عثر: مأسدة، أي كأسود هذا المكان.
٣ الوساطة، ص٣٨.
٤ العمدة ج١ ص٨٥.

<<  <   >  >>