للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا مهجة جثم الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها التراب وربما ... روى الهوى شفتي من شفتيها

حكمت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها١

ومن ذلك قول حافظ إبراهيم في رثاء محمد فريد رئيس الحزب الوطني المتوفى في برلين سنة ١٩١٩:

من ليوم نحن فيه، من لغد ... مات ذو العزة والرأي الأسد

لهف نفسي هل "بيرلين" امرؤ ... فوق ذاك القبر صلى وسجد

هل بكت عين فروت تربه ... هل على أحجاره خط أحد

ههنا قبر شهيد في هوى ... أمةٍ أيقظها ثم رقد٢

والعزاء قرب من الرثاء، وإن كان مذهبه تهوين المصاب، وبث السلوى والتأسي بالسلف الهالك. وقد سلك البحتري في ذلك مذهبًا طريفًا حين عزى محمد بن حميد الطوسي عن ابنته، فقال من قصيدة مطلعها:

ظلم الدهر فيكم وأساء ... فعزاء بني حميد عزاء

أتبكي من لا ينازل بالسيـ ... ـف مشيحًا ولا يهز اللواء٣

والفتى من رأى القبور لما طا ... ف به من بناته أكفاء٤

قد ولدن الأعداء قدما وورثـ ... ـن التلاد الأقاصي البعداء٥

وتلفت إلى القبائل فانظر ... أمهات ينسبن أم آباء

ولعمري ما العجز عندي إلا ... أن تبيت الرجال تبكي النساء

ومن خير النماذج القديمة في هذا الفن ما أورده أبو تمام في حماسته لجماعة من الشعراء والشاعرات ومنها قصيدة تأبط شرًّا:

إن بالشعب الذي دون سلعٍ ... لقتيلًا دمه ما يطل٦


١ العمدة ج٢ ص١١٩.
٢ الديوان: ج٢ ص١٩٧.
٣ مشيح: مجد مدافع، اللواء لواء الحرب كناية عن القتال.
٤ يريد أن موت البنات خير من حياتهن.
٥ التلاد: المال الموروث أو القديم في بيتك.
٦ الشعب الطريق في الجبل، سلع: جبل في بلاد هذيل، وآخر عند المدينة ما يطل: لا يذهب هدرًا دون الثأر له.

<<  <   >  >>