للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طبيعة ولن يتوافر ذلك إلا لقدير ذي لغة طيعة مواتية. من ذلك قول البحتري في الربيع:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما

وقد نبه النيروز في غسق الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما١

يُفَتِّقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثًا كان قبل مكتما

ومن شجر رد الربيع لباسه ... عليه كما نشرت وشيًا منمنما٢

ورق نسيم الريح حتى حسبته ... يجيء بأنفاس الأحبة نعما

وقول شوقي في إحدى خمائل الجزيرة:

وخميلة فوق الجزيرة مسها ... ذهب الأصيل حواشيا ومتونا٣

كالتبر أفقًا والزبرجد ربوة ... والمسك تربا واللجين معينا٤

وقف الحيا من دونها مستأذنًا ... ومشى النسيم بظلها مأذونا

وجرى عليه النيل يقذف فضة ... نثرًا، ويكسر مرمرًا مسنونًا٥

في هذين المثالين نجد الوصف يتناول الألوان، والحركات، كما نجد الربيع، والنيل، والمطر، والنسيم، كائنات حية، لها إرادة وشعور كالأناسي حتى لا يبعد الفرق بين هذه الأبيات وبين لوحة الراسم، إلا أن الثانية تعرض عليك النظر دفعة واحدة، ولكن الأبيات تعرضه متتابعًا في كل شطر أو بيت جزء، وهي مع ذلك مُفصحة واضحة. ومن الأوصاف المعنوية ما قاله ابن خفاجة الأندلسي يصف جبلًا:


١ النيروز أول أيام السنة معرب نوروز.
٢ الوشي: نقش الثوب. منمنم: مزخرف.
٣ الخميلة: الموضع الكثير الشجر. الحواشي: الجوانب. المتون: الظهور والأعالي.
٤ المعين: الماء الجاري الظاهر.
٥ المسنون: السائل، والمراد الماء الشبيه بالمرمر لونًا وشكلًا.

<<  <   >  >>