للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذا وقوف الخلق للحساب (١) ... والصحف والميزان للثواب (٢)


(١) أي: كما يجب الجزم بالبعث والنشور يجب الجزم بقيام الخلق، من الإنس، والجن والدواب، والطير، وغيرهم، لرب العالمين، قال تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٤٧] . وفي ذلك الموقف أهوال عظيمة، تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وهو حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين، حفاة عراة غرلًا، وتدنو منهم الشمس، ويلجمهم العرق، ينزل فيه الرب لفصل القضاء، يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. هذا العرض للحساب، ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: ٩٢-٩٣] . {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: ٦] . ويدخل الله الجنة أقوامًا بغير حساب، كما في الصحيحين: «هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا، يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وذكر أنهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» .
(٢) أي: ويجب الجزم بأخذ الصحف -جمع صحيفة- وهي صحف الأعمال، قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: ١٠] وقال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: ١٩] . {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة: ٢٥] . فنشر الصحف وأخذها باليمين، أو الشمال، يجب الإيمان به، لثبوته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وقدم الحساب عليه للقافية، أو تقديمًا للمقاصد على الوسائل.
وقوله: والميزان؛ أي يجب الجزم بالميزان، لأجل ثواب الأعمال الصالحة، وغب السيئات الفاضحة، فنؤمن بأن الميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات حق لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع، وأن له كفتين بهما صحائف الأعمال، وقد بلغت أحاديثه حد التواتر.
وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: ٤٧] .
قال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١٠٢-١٠٣] . فيحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، كما وصف ذلك في الكتاب والسنة؛ وأما الكفار، فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنهم لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم ويقررون بها، ويجزون عليها.

<<  <   >  >>