للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ تُوجِبُ النَّسْخِ

وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْتِيبِ الْآيَتَيْنِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ قَوْله تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} نزلت قبل قوله تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُوضَعَ فِي التِّلَاوَةِ بَعْدَهُ, فَكَانَ الْأَذَى حَدًّا لَهُمَا جَمِيعًا, ثُمَّ الْحَبْسُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْأَذَى. وَذَلِكَ يَبْعُدُ مِنْ وَجْهٍ; لأن قوله تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} " الهاء" التي في قوله: {يَأْتِيَانِهَا} كِنَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُظْهِرٍ مُتَقَدِّمٍ مَذْكُورٍ فِي الْخِطَابِ أَوْ مَعْهُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ المخاطب, وليس في قوله تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} دَلَالَةٌ مِنْ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفَاحِشَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً رَاجِعَةً إلَى الْفَاحِشَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ; إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ كِنَايَةً عَنْهَا لَمْ يَسْتَقِمْ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ الْفَائِدَةِ وَإِعْلَامِ الْمُرَادِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] لِأَنَّ مِنْ مَفْهُومِ ذِكْرِ الْإِنْزَالِ أَنَّهُ الْقُرْآنُ, وَفِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} أَنَّهَا الْأَرْضُ, فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِالْمُرَادِ عَنْ ذِكْرِ الْمَكِنِيِّ عَنْهُ; فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ مَعَانِي الْآيَتَيْنِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ اللَّفْظِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا نَزَلَتَا مَعًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَذَى نَازِلًا بَعْدَ الْحَبْسِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَذَى مَنْ أُرِيدَ بِالْحَبْسِ مِنْ النِّسَاءِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَا روي عن السدي أن قوله تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} إنَّمَا كَانَ حُكْمًا فِي الْبِكْرَيْنِ خَاصَّةً, وَالْأَوْلَى فِي الثَّيِّبَاتِ دُونَ الْأَبْكَارِ. إلَّا أَنَّ هَذَا قَوْلٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ, وَذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ لِأَحَدٍ مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى حَقِيقَةِ مُقْتَضَاهُمَا; وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تُصْرَفُ وُجُوهُ الِاحْتِمَالِ فِي حُكْمِ الْآيَتَيْنِ وَتَرْتِيبِهِمَا فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي نَسْخِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ عَنْ الزَّانِيَيْنِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى السَّبِيلِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ, فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ السَّبِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُنَّ الْجَلْدُ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ وَالرَّجْمُ لِلْمُحْصَنِ" وَعَنْ قَتَادَةَ مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>