للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلَبُ الْبَيَانِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهَيْنِ

وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: يُرِيدُ لِيُبَيِّنَ لَنَا مَا بِنَا الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ. وَالْبَيَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالنَّصِّ وَالْآخَرُ بِالدَّلَالَةِ, وَلَا تَخْلُو حَادِثَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهَا حُكْمٌ إمَّا بِنَصٍّ وَإِمَّا بِدَلِيلٍ, وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:١٩] , وَقَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١٣٨] , وَقَوْلِهِ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] .

وَقَوْلِهِ: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: "إنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْنَا وَبَيَّنَ لَنَا تَحْرِيمَهُ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا مِنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ". وَقَالَ آخَرُونَ: "لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اتِّفَاقِ الشَّرَائِعِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَهْدِيكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فِي بَيَانِ مَا لَكُمْ فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ وَالشَّرَائِعُ مُخْتَلِفَةً فِي أَنْفُسِهَا, إلَّا أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي أَنْفُسِهَا فَهِيَ مُتَّفِقَةٌ فِي بَابِ الْمَصَالِحِ". وَقَالَ آخَرُونَ: "يُبَيِّنُ لَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمْ لِتَجْتَنِبُوا الْبَاطِلَ وَتُحِبُّوا الْحَقَّ".

وقَوْله تَعَالَى: {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْإِجْبَارِ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا, وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ الْمُصِرِّينَ الْإِصْرَارَ وَلَا يُرِيدُ مِنْهُمْ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ.

قَوْله تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} فَقَالَ قَائِلُونَ: "الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مُبْطِلٍ; لِأَنَّهُ يَتْبَعُ شَهْوَةَ نَفْسِهِ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ أَوْ خَالَفَهُ وَلَا يَتْبَعُ الْحَقَّ فِي مُخَالِفَةِ الشَّهْوَةِ". وَقَالَ مُجَاهِدُ: "أَرَادَ بِهِ الزِّنَا". وَقَالَ السُّدِّيُّ: "اليهود والنصارى".

<<  <  ج: ص:  >  >>