للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلَبٌ: إذَا خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى سَبَبٍ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ

وَأَيْضًا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَلَامًا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ, فَنَقَلَ الرَّاوِي لَفْظَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ نَقْلَ السَّبَبِ, نَحْوُ أَنْ يَخْتَصِمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا جَارٌ وَالْآخِرُ شَرِيكٌ, فَيَحْكُمُ بِالشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ; وَقَالَ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ الْمَقْسُومِ مَعَ الْجَارِ; كَمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ" وَهُوَ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ كَلَامٌ خَارِجٌ عَلَى سَبَبٍ اقْتَصَرَ فِيهِ رَاوِيهِ عَلَى نَقْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ ذِكْرِ السَّبَبِ, وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سُئِلَ عَنْ النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ, فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ" يَعْنِي فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ; كَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا. وَأَيْضًا لَوْ تَسَاوَتْ أَخْبَارُ إيجَابِ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَأَخْبَارُ نَفْيِهَا, لَكَانَتْ أَخْبَارُ الْإِيجَابِ أَوْلَى مِنْ أَخْبَارِ النَّفْيِ; لِأَنَّ الْأَصْلُ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهَا, فَخَبَرُ نَفْيِ الشُّفْعَةِ وَارِدٌ عَلَى الْأَصْلِ وَخَبَرُ إثْبَاتِهَا نَاقِلٌ عَنْهُ وَارِدٌ بَعْدَهُ فَهُوَ أَوْلَى.

فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ. قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا أَكْثَرُهَا يَنْفِي هَذَا التَّأْوِيلَ; لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ جَارَ الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ دَارِهِ, وَالشَّرِيكُ لَا يُسَمَّى جَارَ الدَّارِ; وَحَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ فِيهِ: "يُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا" وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الشَّرِيكِ فِي الْمَبِيعِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّرِيكَ لَا يُسَمَّى جَارًا; لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْجِوَارِ بِالشَّرِكَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَرِيكَيْنِ فِي شَيْءٍ جَارَيْنِ, كَالشَّرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ وَدَابَّةٍ وَاحِدَةٍ, فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ اسْمُ الْجَارِ بِالشَّرِكَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يُسَمَّى جَارًا, وَإِنَّمَا الْجَارُ هُوَ الَّذِي يَنْفَرِدُ حَقُّهُ وَنَصِيبُهُ مِنْ حَقِّ الشَّرِيكِ وَيَتَمَيَّزُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّرِكَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ; لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حُصُولَ الجوار بالقسمة. والدليل عليه أن الشركة في سَائِرِ الْأَشْيَاءِ لَا تُوجِبُ الشُّفْعَةَ لِعَدَمِ حُصُولِ الْجِوَارِ بِهَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ, فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْجِوَارِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ, وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَحَقَّ مِنْ الْجَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>