للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَنَابَةُ اسْمٌ شَرْعِيُّ يُفِيدُ لُزُومَ اجْتِنَابِ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَمَنْ كَانَ مَأْمُورًا بِاجْتِنَابِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُمُورِ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى الِاغْتِسَالِ فَهُوَ جُنُبٌ, وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ أَوْ الْإِيلَاجِ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْإِنْسَانِ, وَيَسْتَوِي فِيهِ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ. وَيَنْفَصِلُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَإِنْ كَانَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَحْظُرَانِ مَا تَحْظُرُهُ الْجَنَابَةُ مِمَّا قَدَّمْنَا, بِأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يَحْظُرَانِ الْوَطْءَ أَيْضًا, وَوُجُودُ الْغُسْلِ لَا يُطَهِّرُهُمَا أَيْضًا مَا دَامَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ, وَالْغُسْلُ يُطَهِّرُ الْجُنُبَ وَلَا تَحْظُرُ عَلَيْهِ الْجَنَابَةُ الْوَطْءَ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ جُنُبًا لِمَا لَزِمَ مِنْ اجْتِنَابِ مَا وَصَفْنَا إلَى أَنْ يَغْتَسِلَ فَيُطَهِّرَهُ الْغُسْلُ. وَالْجُنُبُ اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ, وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ, كَمَا قَالُوا" رَجُلٌ عَدْلٌ وَقَوْمٌ عَدْلٌ" وَ" رَجُلٌ زُورٌ وَقَوْلٌ زُورٌ" مِنْ الزِّيَارَةِ, وَتَقُولُ مِنْهُ: "أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَتَجَنَّبَ وَاجْتَنَبَ" وَالْمَصْدَرُ الْجَنَابَةُ وَالِاجْتِنَابُ; فَالْجَنَابَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ الْبُعْدُ وَالِاجْتِنَابُ لِمَا وَصَفْنَا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: ٣٦] يَعْنِي: الْبَعِيدَ مِنْهُ نَسَبًا; فَصَارَتْ الْجَنَابَةُ فِي الشَّرْحِ اسْمًا لِلُزُومِ اجْتِنَابِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْأُمُورِ, وَأَصْلُهُ التَّبَاعُدُ عَنْ الشَّيْءِ, وَهُوَ مِثْلُ الصَّوْمِ قَدْ صَارَ اسْمًا فِي الشَّرْعِ لِلْإِمْسَاكِ عَنْ أَشْيَاءَ مَعْلُومَةٍ وَقَدْ كَانَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكَ فَقَطْ وَاخْتُصَّ فِي الشَّرْعِ بِمَا قَدْ عُلِمَ وُقُوعُهُ عَلَيْهِ, وَنَظَائِرُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ اللُّغَةِ إلَيْهَا, فَكَانَ الْمَعْقُولُ بِهَا مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا فِي الشَّرْعِ; فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ السِّمَةُ الطَّهَارَةَ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} وَقَوْلُهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . وقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>