للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: المفاعلة لا تكون من اثنين إلا في أشياء نادرة]

وَدَلِيلٌ آخَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ: وَهُوَ أَنَّهَا قَدْ قُرِئَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} و "لمستم", فمن قرأ: "أو لامستم" فَظَاهِرُهُ الْجِمَاعُ لَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ نَادِرَةٍ, كَقَوْلِهِمْ: "قَاتَلَهُ اللَّهُ" وَ" جَازَاهُ وَعَافَاهُ اللَّهُ" وَنَحْوِ ذَلِكَ, وَهِيَ أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا أَغْيَارُهَا; وَالْأَصْلُ فِي الْمُفَاعَلَةِ أَنَّهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ, كَقَوْلِهِمْ: "قَاتَلَهُ وَضَارَبَهُ وَسَالَمَهُ وَصَالَحَهُ" وَنَحْوِ ذَلِكَ, وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ فَالْوَاجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُمَا جَمِيعًا; وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك لَا تَقُولُ "لَامَسْت الرَّجُلَ وَلَامَسْت الثَّوْبَ" إذَا مَسِسْته بِيَدِك لِانْفِرَادِك بِالْفِعْلِ, فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {أَوْ لامَسْتُمُ} بِمَعْنَى: أَوْ جَامَعْتُمْ النِّسَاءَ, فَيَكُونُ حَقِيقَتُهُ الْجِمَاعَ; وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: "أَوْ لَمَسْتُمْ" يَحْتَمِلُ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَيَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ, وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَى وَاحِدًا; لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَى وَاحِدًا فَهُوَ الْمُحْكَمُ, وَمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ, وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِحَمْلِ الْمُتَشَابِهِ عَلَى الْمُحْكَمِ وَرَدِّهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٧] الْآيَةَ, فَلَمَّا جُعِلَ الْمُحْكَمُ أُمًّا لِلْمُتَشَابِهِ فقد أمرنا بحمله عليه,

<<  <  ج: ص:  >  >>