للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: فيمن ووجد الماء في آخر الوقت يجب عليه الوضوء وإن خاف فوات الوقت خلافا لمالك]

وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَتَيَمَّمْ, فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ وَهُوَ فِي مِصْرٍ وَهُوَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ أَنْ يَفُوتَهُ الْوَقْتُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْوُضُوءُ". وَقَالَ مَالِكٌ: "يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ". وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: "إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ تَوَضَّأَ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ أَعَادَ بِالْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَقْتِ". وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَأَوْجَبَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَنَقْلِهِ عَنْهُ إلَى التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ, فَغَيْرُ جَائِزٍ نَقْلُهُ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْآيَةِ; وَحِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْوَقْتِ وَإِدْرَاكِ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ, فَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ, وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] فَمَنَعَهُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ جُنُبًا إلَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ الْغُسْلِ, وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَقَاءَ الْوَقْتِ وَلَا غَيْرَهُ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ: "التُّرَابُ كَافِيك وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك" , فَمَتَى كَانَ وَاجِدًا فَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَخَفْ, لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {فَاغْسِلُوا} , وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ" فَمَتَى كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فَلَيْسَ التُّرَابُ طَهُورًا لَهُ فَلَا تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ. وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ فَرْضَ الطَّهَارَةِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْوَقْتِ, بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِي صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهِيَ جَائِزَةٌ مَعَ فَوَاتِ الْوَقْتِ.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ. قِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُصَلٍّ لِأَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ قَالَ: التَّيَمُّمُ طَهُورٌ قِيلَ لَهُ: إنَّمَا هُوَ طَهُورٌ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَمَا شَرَطَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَعَ وُجُودِهِ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ, فَالْوَاجِبُ عَلَيْك أَنْ تَدُلَّ أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ طَهُورٌ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِمْكَانُ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ حَتَّى تَبْنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَذْهَبَك فِي أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْمُسَافِرُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِيُدْرِكَ الْوَقْتَ لَا لِأَجْلِ عَدَمِ الْمَاءِ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَائِفٍ فَوْتَ الْوَقْتِ وَفِي اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى جَوَازِ تَيَمُّمِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ هُوَ لِأَجْلِ فَوَاتِ الْوَقْتِ.

فَإِنْ قَالَ: لَوْ كَانَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ عَدَمَ الْمَاءِ لَمَا جاز للمريض ولمن يخاف العطش أن

<<  <  ج: ص:  >  >>