للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ

وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي حُكْمِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَنَا ذَاكِرُهَا, بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ جَارٍ فِي أَهْلِ الْمِلَّةِ إذَا قَطَعُوا الطَّرِيقَ; فَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً} الْآيَةَ, قَالَ: "إذَا حَارَبَ الرَّجُلُ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَقُتِلَ وَصُلِبَ, فَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قُتِلَ, وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ, وَإِذَا لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ نُفِيَ". وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَأْخُذُ الْمَالَ وَيَقْتُلُ أَنَّ الْإِمَامَ فِيهِ بِالْخِيَارِ, إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ, وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ وَلَا رِجْلَهُ, وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَلَمْ يَصْلُبْهُ; فَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ, وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ عُزِّرَ وَنُفِيَ مِنْ الْأَرْضِ, وَنَفْيُهُ حَبْسُهُ; وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أُوجِعَ عُقُوبَةً وَحُبِسَ حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا; وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ رِوَايَةً وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادٍ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. فَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ الَّذِينَ جَعَلُوا حُكْمَ الْآيَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ إذَا خَرَجُوا يُجْرِي عَلَيْهِمْ أَيَّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ شَاءَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ رِوَايَةً وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا قَتَلَ الْمُحَارِبُونَ وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ قُتِلُوا, وَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ, لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ, فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: "لِلْإِمَامِ أَرْبَعُ خِيَارَاتٍ: إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَقَتَلَهُمْ, وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ, وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ, وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَتَرَكَ الْقَطْعَ". وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: "إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَإِنَّهُمْ يُصْلَبُونَ وَيُقْتَلُونَ وَلَا يُقْطَعُونَ". وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي" الْإِمْلَاءِ" أَنَّهُ قَالَ: "إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَصَلَبَهُ, فَأَمَّا الصَّلْبُ فَلَا أُعْفِيهِ مِنْهُ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: "إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا, وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا, وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ, وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ نُفُوا, وَإِذَا هَرَبُوا طُلِبُوا حَتَّى يُؤْخَذُوا فَيُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ, إلَّا مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ, وَلَا يَسْقُطُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ, وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ; وَيُقْطَعُ مَنْ أَخَذَ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". وَقَالَ مَالِكٌ: "إذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُ الْمُخِيفُ لِلسَّبِيلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي إقَامَةِ أَيِّ الْحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا قَتَلَ الْمُحَارِبُ أَوْ لَمْ يَقْتُلْ, أَخَذَ مَالًا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ, الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ: إنْ شَاءَ قَتَلَهُ, وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ خِلَافًا, وإن شاء

<<  <  ج: ص:  >  >>