للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ ذَكَاةِ الْجَنِينِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَنِينِ النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِمَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذْبَحُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: يُؤْكَلُ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ فَذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} وَقَالَ فِي آخِرِهَا {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وقال: إنما {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فَحَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى الْمُذَكَّى مِنْهَا وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّكَاةَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ فِي النَّحْرِ وَاللَّبَّةِ وَفِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ بِسَفْحِ دَمِهِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت". وَقَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاضِ: "إذَا خَزَقَ فَكُلْ وَإِذَا لَمْ يَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ" فَلَمَّا كَانَتْ الذَّكَاةُ مُنْقَسِمَةً إلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ حُكْمًا عَامًّا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُذَكَّى بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَنِينِ، كَانَ مُحَرَّمًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ بِأَخْبَارٍ رُوِيَتْ مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وأبي

<<  <  ج: ص:  >  >>