للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلَامُ فِي الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} رَوَى أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: "لِأَنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا يَوْمَئِذٍ لَانْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ غَيْرُهُمْ". وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو نَضْرَةَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ، وَإِنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَفَّ مَعَهُ. فَقَوْلُ أَبِي نَضْرَةَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ غَيْرَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا انْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ غَلَطٌ لِمَا وَصَفْنَا. وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُمْ الِانْحِيَازُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ الِانْحِيَازُ جَائِزًا لَهُمْ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة:١٢٠] فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَخْذُلُوا نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَيُسْلِمُوهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِهِ وَعَصَمَهُ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>