للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ وَقْتُ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ; فَأَوْجَبَ قِتَالَهُمْ، وَجَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِرَفْعِهِ عَنْهُمْ; لِأَنَّ {حَتَّى} غَايَةٌ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢] قَدْ حَظَرَ إبَاحَةَ قُرْبِهِنَّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ طُهْرِهِنَّ. وَكَذَلِكَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "لَا تُعْطِ زَيْدًا شَيْئًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ" مَنَعَ الْإِعْطَاءَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُوجِبَةٌ لِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُزِيلَةٌ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ قَدْ وَجَبَتْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ; وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: "لَا تُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ، وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا بَعْضُ مَا عَلَيْهِ بِشَهْرَيْنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يُعَامَلُ فِي الْجِزْيَةِ، بِمَنْزِلَةِ الضَّرِيبَةِ كُلَّمَا كَانَ يَمْضِي شَهْرَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أُخِذَتْ مِنْهُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي بِالضَّرِيبَةِ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَاتِ; قَالَ أَبُو يُوسُفَ: "وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ، وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ، وَلَكِنْ يُعَامَلُ ذَلِكَ فِي سَنَتِهِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذِكْرُهُ لِلشَّهْرَيْنِ إنَّمَا هُوَ تَوْفِيَةٌ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِإِقْرَارِنَا إيَّاهُ عَلَى الذِّمَّةِ، لِمَا تَضَمَّنَهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الذِّمِّيِّ: "يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ فِي سَنَتِهِ مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ". وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَة عَلَى أَنَّهُ رَآهَا وَاجِبَةً بِعَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمْ، وَأَنَّ تَأْخِيرَنَا بَعْضَ السَّنَةِ إنَّمَا هُوَ تَوْفِيَةٌ لِلْوَاجِبِ وَتَوْسِعَةٌ. أَلَا تَرَى أنه قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>