للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: تجب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية]

وقوله: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} يَعْنِي: أَمَرَكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا بِمَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ عِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، وَالْغِرَاسِ، وَالْأَبْنِيَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ: "مَعْنَاهُ: أَعْمَرَكُمْ بِأَنْ جَعَلَهَا لَكُمْ طُولَ أَعْمَارِكُمْ"، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: "أَعَمَرْتُك دَارِي هَذِهِ" يَعْنِي مَلَّكْتُك طُولَ عُمْرِك. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ"، وَالْعُمْرَى هِيَ الْعَطِيَّةُ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهَا رَاجِعٌ إلَى تَمْلِيكِهِ طُولَ عُمْرِهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمْرَى، وَالْهِبَةَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي تَمْلِيكِهِ عُمْرَهُ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ.

قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} مَعْنَى الْأَوَّلِ: سَلَّمْت سَلَامًا وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ، وَالثَّانِي جَوَابُهُ: عَلَيْكُمْ سَلَامٌ، وَلِذَلِكَ رَفَعَهُ. وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ الْحِكَايَةَ. وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ قَدْ كَانَ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>