للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: يجوز الاحتيال في التوصل إلى المباح]

وَفِيمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ وَمَا عَامَلَ بِهِ إخْوَتَهُ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} إلى قوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} دَلَالَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْحِيلَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى الْمُبَاحِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَقَالَ في آخر القصة: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} وَمِنْ نَحْوِ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص:٤٤] وَكَانَ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَهَا عَدَدًا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَخْذِ الضِّغْثِ وَضَرْبِهَا بِهِ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ أَلَمٍ كَبِيرٍ إلَيْهَا. وَمِنْ نَحْوِهِ النَّهْيُ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ وَإِبَاحَةُ التَّوَصُّلِ إلَى إعْلَامِهَا رَغْبَتَهُ بِالتَّعْرِيضِ. وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَأَتَاهُ بِتَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا"؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنَّمَا نَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمِيعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا"، كَذَا رَوَى ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَحَظَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّفَاضُلَ فِي التَّمْرِ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَحْتَالُ فِي التَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ هَذَا التَّمْرِ" وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ: "خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ". فَأَمَرَهَا بِالتَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ حَقِّهَا وَحَقِّ وَلَدِهَا. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا وَرَّى بِغَيْرِهِ. وَرَوَى يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنْ ائْتُونَا فَإِنَّا سَنُغِيرُ عَلَى بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوَادِعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عِنْدَ عُيَيْنَةَ حِينَ أَرْسَلَتْ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>