للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُرِّيَّةِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ ومالك بْنُ أَنَسٍ: "إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ: إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ جَائِزٌ وَمُعْتَقٌ بِالْأَدَاءِ" وَقَالَ الْمَزْنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ: "إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ كَذَا كَذَا نَجْمًا فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقُولَ فِي الْكِتَابَةِ إذَا أَدَّيْت هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ قَوْلِي قَدْ كَاتَبْتُك كَانَ مَعْقُودًا عَلَى أَنَّك إذَا أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} يَقْتَضِي جَوَازَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ وَيَتَضَمَّنُ الْحُرِّيَّةَ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ فَكَاتِبُوهُمْ عَلَى شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُهَا كَلَفْظِ الْخُلْعِ فِي تَضَمُّنِهِ لِلطَّلَاقِ وَلَفْظِ الْبَيْعِ فِيمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْإِجَارَةِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَالنِّكَاحِ فِي اقْتِضَائِهِ تَمْلِيكَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ رَقِيقٌ"، فَأَجَازَ الْكِتَابَةَ مُطْلَقَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ حُرِّيَّةٍ فِيهَا، وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ بِالْأَدَاءِ; لِأَنَّ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ تَقْتَضِي وُقُوعَ الْعِتْقِ بالأداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>