للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْله تَعَالَى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} قَالَ الضَّحَّاكُ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، يَعْنِي ضَعْفَ الْوَلَدِ عَلَى ضَعْفِ الْأُمِّ وَقِيلَ: بَلْ الْمَعْنَى فيه شدة الجهد {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} يَعْنِي فِي انْقِضَاءِ عَامَيْنِ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: ١٥] فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَبِهِ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ.

وقَوْله تَعَالَى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك مِنْ النَّاسِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّبْرِ وَإِنْ خَافَ عَلَى النَّفْسِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ إعْطَاءَ التَّقِيَّةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ فِي آيٍ غَيْرِهَا قَدْ بَيَّنَّاهَا، وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِك عَنْ النَّاسِ تَكَبُّرًا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ هُوَ التَّشَدُّقُ وَمَعْنَاهُ يَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ; لِأَنَّ الْمُتَشَادِقَ فِي الْكَلَامِ مُتَكَبِّرٌ، وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا وَرُءُوسِهَا حَتَّى يَلْوِيَ وُجُوهَهَا وَأَعْنَاقَهَا فَيُشَبِّهُ بِهَا الرَّجُلَ الَّذِي يَلْوِي عُنُقَهُ عَنْ النَّاسِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُنَّا إذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا

قَوْله تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} أَبَانَ تَعَالَى بِذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْإِحْسَانِ إلَى الْوَالِدَيْنِ عَامٌّ فِي الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْكُفَّارِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وأكده بقوله: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَوَدَ عَلَى أَبِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لَهُ إذَا قَذَفَهُ وَلَا يُحْبَسُ لَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَأَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُمَا إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ; إذْ كان جميع ذلك من الصحبة

<<  <  ج: ص:  >  >>