للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ومن سورة الحديد]

بسم الله الرحمن الرحيم

قَوْله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} الْآيَةَ. رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ عَظِيمٌ". وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: "هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبَانَ عَنْ فَضِيلَةِ الْإِنْفَاقِ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِعِظَمِ عَنَاءِ النَّفَقَةِ فِيهِ وَكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ; وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ أَشَدَّ عَلَى النَّفْسِ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ الْكُفَّارِ مَعَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ وَلِلسَّبْقِ إلَى الطَّاعَةِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: ١١٧] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: ١٠٠] ؟ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا تَقْتَضِي تَفْضِيلَهَا.

وقَوْله تَعَالَى: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} الْآيَةَ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْمَعَاصِي وَمُسَاكَنَتَهَا وَأُلْفَهَا تُقَسِّي الْقَلْبَ وَتُبْعِدُ مِنْ التَّوْبَةِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤] .

وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ شَهِيدٌ" لهذه الآية وجعل قوله: {وَالشُّهَدَاءُ} صِفَةً لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ; وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٌ وَأَبُو الضُّحَى وَالضَّحَّاكُ: "هُوَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وخبره: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} .

وقَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَرَ عَمَّا ابْتَدَعُوهُ مِنْ الْقُرَبِ وَالرَّهْبَانِيَّة، ثُمَّ ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ رِعَايَتِهَا بقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} . وَالِابْتِدَاعُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ مَا يُنْذِرُهُ وَيُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَعُمُومُهُ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَعَ قُرْبَةً قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَعَلَيْهِ رِعَايَتُهَا، وَإِتْمَامُهَا، فَوَجَبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ من دخل في

<<  <  ج: ص:  >  >>