للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ومن سورة التحريم]

[مدخل]

...

وَمِنْ سُورَةِ التَّحْرِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ وَيَأْكُلُ عِنْدَ زَيْنَبَ، فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنْ تَقُولَا لَهُ: نَجِدُ مِنْك رِيحَ الْمَغَافِيرِ، قَالَ: "بَلْ شَرِبْت عِنْدَهَا عَسَلًا وَلَنْ أَعُودَ لَهُ"، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} . وَقِيلَ: إنَّهُ شَرِبَ عِنْدَ حَفْصَةَ، وَقِيلَ: عِنْدَ سَوْدَةَ، وَأَنَّهُ حَرَّمَ الْعَسَلَ; وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "وَاَللَّهِ لَا أَذُوقُهُ" وَقِيلَ: إنَّهُ أَصَابَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَعَلِمَتْ بِهِ فَجَزِعَتْ مِنْهُ، فَقَالَ لَهَا: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبُهَا؟ " قَالَتْ: بَلَى; فَحَرَّمَهَا وَقَالَ: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ"، فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا قَدْ كَانَا مِنْ تَحْرِيمِ مَارِيَةَ وَتَحْرِيمِ الْعَسَلِ، إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ مَارِيَةَ وَأَنَّ الْآيَةَ فِيهَا نَزَلَتْ; لِأَنَّهُ قَالَ: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} ، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ شُرْبِ الْعَسَلِ رِضَا أَزْوَاجِهِ، وَفِي تَرْكِ قُرْبِ مَارِيَةَ رِضَاهُنَّ فَرُوِيَ فِي الْعَسَلِ أَنَّهُ حَرَّمَهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ وَأَمَّا مَارِيَةُ فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: حَرَّمَهَا; وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى وَحَرَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: الْحَرَامُ حَلَالٌ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: "حَرَّمَ جَارِيَتَهُ"، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ حَرَّمَ وَحَلَفَ أَيْضًا، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهَا التَّحْرِيمُ فَقَطْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُلْحَقَ بِالْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ يَمِينًا لِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْيَمِينِ; لِأَنَّ الْيَمِينَ تَحْرِيمٌ للمحلوف

<<  <  ج: ص:  >  >>