للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ ظَهْرَهَا لِلْأَحْيَاءِ وَبَطْنَهَا لِلْأَمْوَاتِ، وَالْكِفَاتُ الضِّمَامُ، فَأَرَادَ أَنَّهَا تَضُمُّهُمْ فِي الْحَالَيْنِ. وَرَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عن مجاهد: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً} قَالَ: "تَكْفِتُ الْمَيِّتَ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ"; وَأَحْيَاءً قَالَ: "الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ لَا يُرَى مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مُوَارَاةِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ وَدَفْنِ شَعْرِهِ وَسَائِرِ مَا يُزَايِلُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَعْرَهُ وَشَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ; لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ دَفْنَهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ" وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ شَعْرَ غَيْرِهَا بِشَعْرِهَا، فَمَنَعَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ} فَأَقْبَرَهُ [عبس:٢١] يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا". وَرُوِيَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: "أَنَّهُ أَخَذَ قَمْلَةً فَدَفَنَهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَصَى، ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} . وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مِثْلُهُ. وَأَخَذَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ قَمْلَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَطَرَحَهَا فِي الْمَسْجِدِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَنْفِي الْأَوَّلَ وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ. آخِرُ سُورَةِ المرسلات.

<<  <  ج: ص:  >  >>