للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن سورة إذا السماء انشقت

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الشَّفَقُ النَّهَارُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ الله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "الشَّفَقُ الْبَيَاضُ" وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: "الشَّفَقُ السَّوَادُ الَّذِي يَكُونُ إذَا ذَهَبَ الْبَيَاضُ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الشَّفَقُ فِي الْأَصْلِ الرِّقَّةُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ شَفَقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا، وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهُوَ رِقَّةُ الْقَلْبِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُ فَهُوَ بِالْبَيَاضِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحُمْرَةِ; لِأَنَّ أَجْزَاءَ الضِّيَاءِ رَقِيقَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَفِي وَقْتِ الْحُمْرَةِ أَكْثَفُ.

وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} ، يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِذَمِّهِ لِتَارِكِ السُّجُودِ عِنْدَ سَمَاعِ التِّلَاوَةِ; وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ السُّجُودِ عِنْدَ سَمَاعِ سَائِرِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا مِنْهُ مَا عَدَا مَوَاضِعَ السُّجُودِ وَاسْتَعْمَلْنَاهُ فِي مَوَاضِعِ السُّجُودِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَسْتَعْمِلْهُ عَلَى ذَلِكَ كُنَّا قَدْ أَلْغَيْنَا حُكْمَهُ رَأْسًا.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُضُوعَ; لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى الْخُضُوعِ; قِيلَ لَهُ: هُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ خُضُوعٌ عَلَى وَصْفٍ، وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ وَالْقِيَامَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ خُضُوعٌ وَلَا يُسَمَّى سُجُودًا; لِأَنَّهُ خُضُوعٌ عَلَى صِفَةٍ إذَا خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ. آخِرُ سُورَةِ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>