للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ

قَالَ اللَّه تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَلَالَتُهُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ كَهِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِهِ. وَيُقَال: إنَّ اسْمَ الْمَيْسِرِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّجْزِئَةِ، وَكُلُّ مَا جَزَّأْتَهُ فَقَدْ يَسَّرْتَهُ; يُقَال لِلْجَازِرِ: الْيَاسِرُ; لِأَنَّهُ يُجَزِّئُ الْجَزُورَ، وَالْمَيْسِرُ الْجَزُورُ نَفْسُهُ إذَا تَجَزَّى. وَكَانُوا يَنْحَرُونَ جَزُورًا وَيَجْعَلُونَهُ أَقْسَامًا يَتَقَامَرُونَ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ عَلَى عَادَةٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ لَهُ قَدَحٌ نَظَرُوا إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ السِّمَةِ فَيَحْكُمُونَ لَهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ أَسْمَاءُ الْقِدَاحِ; فَسُمِّيَ عَلَى هَذَا سَائِرُ ضُرُوبِ الْقِمَارِ مَيْسِرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: الْمَيْسِرُ الْقِمَارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: حَتَّى لَعِبِ الصِّبْيَانِ بِالْكِعَابِ، وَالْجَوْزِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْكِعَابَ الْمَوْسُومَةَ الَّتِي يُزْجَرُ بِهَا زَجْرًا فَإِنَّهَا مِنْ الْمَيْسِرِ" وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عن أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ". وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حِلَاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ أَكَلْت كَذَا وَكَذَا بَيْضَةً فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَارْتَفَعَا إلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: هَذَا قِمَارٌ; وَلَمْ يُجِزْهُ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ الْقِمَارِ وَأَنَّ الْمُخَاطَرَةَ مِنْ الْقِمَارِ; قَالَ ابْن عَبَّاسٍ: إنَّ الْمُخَاطَرَةَ قِمَارٌ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُخَاطِرُونَ عَلَى الْمَالِ، وَالزَّوْجَةِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا إلَى أَنْ وَرَدَ تَحْرِيمُهُ. وَقَدْ خَاطَرَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيقُ المشركين حين نزلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>