للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ عَدَدِ الطَّلَاقِ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ ذُكِرَتْ فِي مَعْنَاهُ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الَّذِي تَثْبُتُ مَعَهُ الرَّجْعَةُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتَادَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَيَانٌ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَعَلَيْهِ تَفْرِيقُ الطَّلَاقِ، فَيَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُمَا الثَّالِثَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ بَيَانٌ لِمَا يَبْقَى مَعَهُ الرَّجْعَةُ مِنْ الطَّلَاقِ; فَإِنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَ مَعَهُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ الْمُبَاحِ مِنْهُ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَمَحْظُورٌ، وَبَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ حُكْمَهُ إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِذِكْرِ الرَّجْعَةِ عَقِيبَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ وَبَيَانُ حُكْمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِيقَاعِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرَّجْعَةِ، أَنَّهُ قَالَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لَا مَحَالَةَ; لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ مَعًا لَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ طَلَّقَهَا مَرَّتَيْنِ، كَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ دِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ; حَتَّى يُفَرِّقَ الدَّفْعَ، فَحِينَئِذٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ مِنْ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ، لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إسْقَاطِ فَائِدَةِ ذِكْرِ الْمَرَّتَيْنِ; إذْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ إذَا طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلْمَرَّتَيْنِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِإِيقَاعِهِ مَرَّتَيْنِ وَنَهْيٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَكَانَ الْوَاجِبُ حَمْلَهُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي إيجَابِ الْفَائِدَتَيْنِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ مَتَى أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ اثْنَتَيْنِ وَبَيَانُ حُكْمِ الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَوْعِبًا لِلْمَعْنَيَيْنِ. وقَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا هُوَ فِي صيغة الخبر

<<  <  ج: ص:  >  >>