للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون" (١) .

وقال الخطيب البغدادي مستدلاً لوقوع المجاز في القرآن:

".....لأن المجاز لغة العرب وعادتها؛ فإنها تسمى باسم الشيء إذا كان مجاورًا له، أو كان منه بسبب، وتحذف جزءًا من الكلام طلبًا للاختصار إذا كان فيما أبقي دليل على ما ألقي، وتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه، وتعربه بإعرابه، وغير ذلك من أنواع المجاز، وإنما نزل القرآن بألفاظها ومذاهبها ولغاتها، وقد قال الله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] ، ونحن نعلم ضرورة أن الجدار لا إرادة له" (٢) .

٥- إثبات المجاز لا يلزم منه تأويل الصفات أو نفيها:

علم مما تقدم أن آيات القرآن الكريم قسمان:

قسم لا يجوز دخول المجاز فيه وهو آيات الصفات.

وقسم يجوز دخول المجاز فيه وهو ما عدا آيات الصفات كما تقدم في النقل عن الشافعي والخطيب البغدادي، وكقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤] ، وقوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] ، وقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣، المائدة: ٦] .

فهذا كله مجاز لأنه استعمال للفظ في غير موضوعه (٣) ، لوجود قرينة منعت من استعماله في حقيقته (٤) .

وإذا عُلم ذلك فلا تلازم بين القسمين، إذ يمكن إثباتُ صفات الله تعالى على حقيقتها ووجهها اللائق به سبحانه ونفي المجاز عنها، وفي الوقت نفسه يمكن إثبات المجاز فيما عدا آيات الصفات، كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}


(١) "الرسالة" (٦٢، ٦٣) .
(٢) "الفقيه والمتفقه" (١/٦٥) .
(٣) انظر: "روضة الناظر" (١/١٨٢) .
(٤) قد أشار إلى بعض القرائن الإمام الشافعي والخطيب البغدادي فيما سبق نقله عنهما قريبًا. وانظر: "تأويل مشكل القرآن" (١٣٢، ١٣٣) ، و"مختصر الصواعق" (٧٩) .

<<  <   >  >>