للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وجمهور الأمة (١) .

قال ابن تيمية: "ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقًا له أو عملاً به أنه يوجب العلم.

وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك؛ ولكن كثيرًا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث والسلف على ذلك" (٢) .

القاعدة الثانية: أن خبر الواحد إذا تجرد عن القرائن (٣) ولم يتصل به ما يدل على إفادته العلم، لا يحصل به اليقين ولا يفيد العلم باتفاق، وهذا أمر لا نزاع فيه (٤) ، إذ أن الخبر قد تحتف به قرائن تدل على كذبه، وقد تحتف به تارة أخرى قرائن تدل على صدقه، وقد يتجرد تارة ثالثة عن جميع القرائن فيبقى محتملاً للصدق وللكذب.

قال ابن القيم: "خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه، فتارة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه، وتارة يظن كذبه إذا كان دليل كذبه ظنيًا، وتارة يتوقف فيه فلا يترجح صدقه ولا كذبه إذا لم يقم دليل أحدهما، وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزمًا لا يبقى معه شك، فليس خبر كل واحد يفيد العلم ولا الظن" (٥) .

فتبين بذلك أن الحديث المقبول إما أن يترجح صدقه، وهذا معنى كونه


(١) انظر: "الرسالة" (٤٦١، ٥٩٩) ، و"الفقيه والمتفقه" (١/٩٦) ، و"مجموع الفتاوى" (١٨/٤١) ، و"مختصر الصواعق" (٤٦٦) ، و"شرح الكوكب المنير" (٢/٣٤٨ – ٣٥٢) ، و"مذكرة الشنقيطي" (١٠٣) .
(٢) "مجموع الفتاوى" (١٣/٣٥١) ، وانظر (١٨/٤١) من المصدر نفسه.
(٣) المراد بتجرد الخبر عن القرائن في هذا المقام: تجرده عن القرائن المفيدة للعلم لا عن مطلق القرائن انظر (١٥٢) تعليق رقم (٢) من هذا الكتاب.
(٤) انظر: "المسودة" (٢٤٤) ، و"الجواب الصحيح" (٤/٢٩٣) .
(٥) "مختصر الصواعق" (٤٥٥، ٤٥٦) .

<<  <   >  >>