للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يصح حصر حجية الإجماع في عصر الصحابة دون غيرهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع عامة مطلقة، ولا يجوز تخصيص هذه الأدلة أو تقييدها دون دليل شرعي معتبر، فإنه قد ثبت وجوب اتباع سبيل المؤمنين وعصمة الأمة وهذا عام في كل عصر.

كما أنه لا يصح الاحتجاج لإبطال إجماع غير الصحابة بصعوبة أو تعذر وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة لتفرق المجتهدين في الآفاق وانتشارهم في الأقطار؛ إذ غاية ذلك هو القول بعدم صحة وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة وتعذر إمكانه.

أما حجية الإجماع فأمر آخر، فلا بد إذن من التفريق بين حصول الإجماع وإمكان وقوعه وبين حجيته في كل عصر، وليس بين الأمرين تلازم.

فالأمر الأول: محل نظر بين العلماء: إذ منع بعضهم وقوع إجماع بعد عصر الصحابة، ونقل البعض الآخر الإجماع في عصر الصحابة وفي عصر من بعدهم أيضًا (١) .

أما الأمر الثاني وهو حجية الإجماع فلا شك أن الدليل الشرعي قاطع في ثبوت حجية الإجماع مطلقًا في كل عصر.

والمقصود المحافظة على حجية الإجماع على مدى العصور عملاً بالدليل الشرعي، فتبقى الأمور القطعية قطعية كما هي، وتبقى قضية وقوع الإجماع وعدم وقوعه قضية أخرى بحاجة إلى تحقيق المناط فيها، وذلك يختلف من عصر لآخر ومن مسألة لأخرى (٢) .


(١) وهذا واضح في كتب الفقه عمومًا والإجماعات خصوصًا "كالإجماع" لابن المنذر، و"مراتب الإجماع" لابن حزم.
(٢) انظر: "الفقيه والمتفقه" (١/١٦٩) ، و"روضة الناظر" (١/٣٧٢) ، و"مختصر ابن اللحام" (٧٥) .

<<  <   >  >>