للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للتابعين الإجماع على أحدهما؛ لأن في انعقاد هذا الإجماع نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماع.

ولأن نزاع الصحابة واختلافهم لا يمكن أن يكون على خلاف الإجماع، فلا يصح انعقاد إجماع يخالفه بعض الصحابة، لأن المسائل على نوعين:

نوع للصحابة فيه قول أو أقوال، فيجب في مثل هذا النوع اتباع ما عليه الصحابة من إجماع واختلاف، ولذلك بوب الخطيب البغدادي بقوله: «باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه» (١) .

والنوع الآخر من المسائل هو المسائل الحادثة بعد الصحابة، والتي لم ينقل فيها للصحابة كلام، ففي مثل هذا النوع يجوز لمن بعدهم الإجماع، ويجوز لهم الاختلاف في إطار الدليل الشرعي.

ولأجل ذلك كان الموقف الصحيح من اختلاف الصحابة هو التخير من أقوالهم بالدليل، واعتبار هذه المسألة التي اختلف فيها الصحابة من مسائل الاجتهاد التي ترد إلى الدليل.

قال ابن تيمية: "فإنهم [يعني السلف] أفضل ممن بعدهم، ومعرفة إجماعهم، ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم.

وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصومًا، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم، ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه" (٢) .

إذا تقرر ذلك فإنه لا يُسلم وقوع إجماع على أحد قولي الصحابة، فمن ادعى وقوع ذلك فلا يخلو الحال من أمرين:

الأول: أن هذا الخلاف لم يستقر بين الصحابة رضي الله عنهم ولم يشتهر عنهم، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإجماع على أحد قولي الصحابة يكون صحيحًا


(١) "الفقيه والمتفقه" (١/١٧٣) .
(٢) "مجموع الفتاوى" (١٣/٢٤) .

<<  <   >  >>