للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الحكمة يعلمها سبحانه على وجه التفصيل، وقد يُعلم بعض عباده من ذلك ما يُعلمه إياه؛ إذ لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء (١) .

والحكمة نوعان (٢) :

النوع الأول: حكمة تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها وهي رحمته بعباده، وتدبيره لأمر خلقه، وتصرفه في مملكته بأنواع التصرفات، وإثابته للمحسن على إحسانه، ومعاقبته للمسيء على إساءته؛ فيوجد أثر عدله وفضله وأن يعرف سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته، وأن يعرف خلقه أنه لا إله غيره ولا رب سواه.

والنوع الثاني: حكمة تعود إلى عباده، وهي نعمة عليهم يفرحون بها ويلتذون بها، ففي الجهاد مثلاً عاقبة محمودة للناس في الدنيا يحبونها؛ وهي النصر والفتح، وفي الآخرة الجنة والنجاة من النار.

وقد نزه الله سبحانه وتعالى أفعاله عن العبث، فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: ١١٥] ، وقال جل شأنه: {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦] .

وأنكر سبحانه أن يسوي بين المختلفين، وأن يفرق بين المتماثلين، وأن حكمته وعدله يأبى ذلك، فقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٥، ٣٦] ، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨] ، وأخبر سبحانه عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره، كقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: ٢٢] ، وقال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: ٢١] (٣) ، وإثبات الحكمة في أفعال الله لا يستلزم الحاجة والنقص،


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٣٨، ٩٣) .
(٢) انظر المصدر السابق (٨/٣٦) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (١٩٨) ، وانظر (ص٢٥٤) التعليق رقم (٤) من هذا الكتاب في أنواع الحكمة بالنسبة لمأخذها وعلاقة ذلك بمسألة النسخ قبل التمكن من هذا الكتاب.
(٣) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (١٩٧ – ١٩٩) .

<<  <   >  >>