للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسباب الرواية لديهم، فقد كثرت الفتن والوضع والوضاعون.

إن كلتا المدرستين تتفق على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة وعدم تقديم الرأي على النص.

لقد استطاع الإمام الشافعي الجمع بين هذين المنهجين، والفوز بمحاسن هاتين المدرستين، فاجتمع للشافعي فقه الإمام مالك بالمدينة حيث تلقى عنه، وفقه أبي حنيفة بالعراق إذ تلقاه عن صاحبه محمد بن الحسن (١) ، إضافة إلى فقه أهل الشام وأهل مصر حيث أخذ عن فقهائهما.

يضاف إلى ذلك مدرسة مكة التي تُعني بتفسير القرآن الكريم وأسباب نزوله، ولغة العرب وعاداتهم، إذ تلقى العلم بمكة على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين حتى بلغ منزلة الإفتاء. كما أن الشافعي خرج إلى البادية ولازم هُذيلاً وكانت من أفصح العرب، فتعلم كلامها وأخذ طبعها، وحفظ الكثير من أشعار الهذليين وأخبار العرب.

بهذه المعطيات استطاع الإمام الشافعي أن يضع للفقهاء أصولاً للاستنباط، وقواعد للاستدلال، وضوابط للاجتهاد.

وجعل الفقه مبنيًا على أصول ثابتة لا على طائفة من الفتاوى والأقضية. لقد فتح الشافعي بذلك عين الفقه، وسن الطريق لمن جاء بعده من المجتهدين ليسلكوا مثل ما سلك وليتموا ما بدأ (٢) .

هكذا صنف الإمام الشافعي كتاب "الرسالة"، فكان أول كتاب في علم أصول الفقه (٣) .


(١) هو: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة، وعنه أخذ الفقه، ثم عن أبي يوسف، وروى عن مالك والثوري، وروى عنه ابن معين، وأخذ عنه الشافعي، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة فيمن نشره، وكان فصيحًا بليغًا عالمًا فقيهًا، له كتاب: "السير الكبير"، و"السير الصغير"، و"الآثار"، ولد سنة (١٣٢هـ) ، وتوفي سنة (١٨٩هـ) . انظر: "تاج التراجم" (٢٣٧) ، و"شذرات الذهب" (١/٣٢١) .
(٢) انظر: "الشافعي" لأبي زهرة (٣٥٤) .
(٣) انظر ما سيأتي (ص٤٧) من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>