للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(رابعًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الصحيح أمر متفق على صحته، إذ لا نزاع في وجوب العمل بالدليل الراجح، وإنما اختُلف في تسمية ذلك استحسانًا.

(خامسًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الباطل أمر متفق على تحريمه، إذ الأمة مجمعة على تحريم القول على الله بدون دليل، ولا شك أن ما يستحسنه المجتهد بعقله وهواه من قبيل القول على الله بدون دليل فيكون محرمًا.

٢- موقف الإمام الشافعي من الاستحسان:

أنكر الإمام الشافعي القول بالاستحسان وبالغ في رده.

فمن ذلك قوله: "من استحسن فقد شرع" (١) .

ووجهة نظر الشافعي تتضح في قوله الآتي:

".....ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم، وذلك الكتاب، ثم السنة، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا.

ولا يجوز أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان؛ إذ لم يكن الاستحسان واجبًا ولا في واحد من هذه المعاني" (٢) .

ومن هذا النص يتبين لنا أن الشافعي إنما ينكر الاستحسان الذي لا يعتمد على شيء من الأدلة الشرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.

وهذا حق بلا ريب إذ العلماء قاطبة مجمعون على تحريم القول في دين الله بلا علم، لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل؛ إذ الجميع لم يرجع فيما قال إلا إلى هواه ونفسه، وهذا عين المحظور (٣) .

وفي ذلك يقول الشافعي:

"....لا أعلم أحدًا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالمًا بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل" (٤) .


(١) انظر: "المستصفى" (٢٤٧) .
(٢) "إبطال الاستحسان" (٢٩) .
(٣) انظر: "روضة الناظر" (١/٤٠٩، ٤١٠) .
(٤) "إبطال الاستحسان" (٣٧) .

<<  <   >  >>