للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة (١) ، وهو اختيار الأمين الشنقيطي (٢) .

وذهب الإمام الشافعي (٣) وأحمد (٤) إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله، وهذا اختيار ابن قدامة وابن تيمية (٥) .

وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع.

حجة الجمهور أن الجميع وحي من الله تعالى، فالناسخ والمنسوخ من عند الله، والله هو الناسخ حقيقة، لكنه أظهر النسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - (٦) .

ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعات نُسخت بالسنة (٧) .

١- وحجة الإمام الشافعي (٨) قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: ١٥] ، وقوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] .

وجه الدلالة: أنه قد تبين من مجموع الآيتين أن المبتدئ لفرض الكتاب إنما هو الله ولا يكون ذلك لأحد من خلقه، وإنما جعل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول من تلقاء نفسه - بتوفيقه سبحانه - فيما لم ينزل به كتابًا، ومعلوم أن موقع سنته - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب إنما هو البيان له والتفسير لمجمله دون النسخ. ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}


(١) انظر: "شرح الكوكب المنير" (٣/٥٦٣) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (١/٢٢٥) .
(٢) انظر: "أضواء البيان" (٣/٣٦٧) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٨٥) .
(٣) انظر: "الرسالة" (١٠٦) .
(٤) انظر: "العُدة" لأبي يعلى" (٣/٧٨٨) ، و"روضة الناظر" (١/٢٢٤) ، و"مجموع الفتاوى" (٢٠/٣٩٧ - ٣٩٩) .
(٥) انظر: "روضة الناظر" (١/٢٢٥) ، و"مجموع الفتاوى" (١٧/١٩٥، ١٩٧، ١٩/٢٠٢) ، وربما يفهم من كلام ابن القيم موافقة هذا المذهب. انظر: "إعلام الموقعين" (٢/٣٠٦، ٣٠٨) .
(٦) انظر: "أضواء البيان" (٣/٣٦٧) .
(٧) ورد ذلك فيما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن) . رواه مسلم (١٠/٢٩) .
(٨) انظر: "الرسالة" (١٠٦ - ١٠٩) .

<<  <   >  >>