للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب الإمام الشافعي (١) إلى أن السنة لا ينسخها إلا سنة مثلها، وأن القرآن قد يأتي ناسخًا للسنة، لكن لا بد من مجيء سنة تدل على أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة بأن الشيء ينسخ بمثله، فلا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله، ولا ينسخ السنة إلا سنة مثلها.

وقد استدل الفريقان بالأدلة التي مضى بيانها في المسألة السابقة (٢) .

وقد مثل الجمهور للوقوع بأمثلة كثيرة منها (٣) :

- التوجه إلى بيت المقدس وهو ثابت بالسنة، وناسخه في القرآن قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] .

٢- تحريم مباشرة النساء في رمضان ليلاً ثابت بالسنة، وناسخه في القرآن قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] .

٣- وجوب صوم عاشوراء ثابت بالسنة، فنسخ بوجوب صوم رمضان بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] .

وخلاصة القول في هاتين المسألتين:

أن الخلاف في جواز نسخ القرآن بالسنة والعكس خلاف لا يترتب عليه أثر كبير والخطب فيه يسير.

وذلك إذا تقرر - عند الجميع - ما يأتي:

أولاً: تعظيم نصوص الكتاب والسنة وتقديم جانب العمل بها مهما أمكن (٤) .

ثانيًا: أن الكتاب والسنة وحي من عند الله، وأنهما متفقان لا يختلفان، متلازمان لا يفترقان (٥) .

ثالثًا: أن النسخ لا يكون إلا بأمر من عند الله سبحانه: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] (٦) .


(١) انظر: "الرسالة" (١١٠) .
(٢) يستثنى من ذلك الدليل الأول للشافعي فإنه خاص بالمسألة الأولى فقط.
(٣) انظر: "المستصفى" (١٤٧) ، و"أضواء البيان" (٣/٣٦٧) .
(٤) انظر (ص٦٩) وما بعدها من هذا الكتاب.
(٥) انظر (ص١٣٤، ١٣٥) من هذا الكتاب.
(٦) انظر (ص٢٤٨) من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>