للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: عدم التفريق في ذلك بين السنة المتواترة والآحادية (١) .

أما الخلاف في وقوع النسخ في هاتين المسألتين فإنه خلاف اعتباري، يعود - عند التحقيق إلى اللفظ: فمن قال بالجواز اعتبر القرآن ناسخًا للسنة والعكس، ومن منع اعتبر الناسخ للقرآن قرآنًا مثله، والناسخ للسنة سنة مثلها.

يوضح ذلك نقلان عن إمامين جليلين:

(النقل الأول: عن الإمام ابن تيمية، وهو يتعلق بمسألة نسخ القرآن بالسنة.

قال رحمه الله: "فإن الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون العمل بالسنة المتواترة المحكمة، وإن تضمنت نسخًا لبعض أي القرآن.

لكن يقولون: إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة، ويحتجون بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] ، ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن" (٢) .

(والنقل الثاني: عن الإمام الشافعي، وهو يتعلق بمسألة نسخ السنة بالقرآن.

قال رحمه الله: "فإن قال قائل: هل تُنسخ السنة بالقرآن؟

قيل: لو نُسخت السنة بالقرآن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة" (٣) .

المسألة الثالثة: نسخ المتواتر بالآحاد:

١- ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه لا يجوز نسخ المتواتر - من القرآن والسنة - بالآحاد من السنة.

واحتجوا بأن الآحاد ضعيف، والمتواتر أقوى منه فلا يُرفع الأقوى بما هو دونه (٤) . وقد تقدم بيان غلط الأصوليين - من وجهين - في هذه الحجة (٥) .


(١) انظر (ص٢٤٩) من هذا الكتاب.
(٢) "مجموع الفتاوى" (٢٠/٣٩٩) .
(٣) "الرسالة" (١١٠) .
(٤) انظر: "الإحكام" للآمدي (٣/١٣٤) .
(٥) انظر (ص٢٤٩) من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>