للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال الحقيقة العرفية: لفظ الدابة، فإنه يطلق ويراد به عرفًا ذوات الأربع من الحيوان، مع أن معناه الأصلي في اللغة يشمل كل ما يدب على الأرض.

ثانيًا: اختلف الأصوليون في الأسماء الشرعية (١) :

وذلك على أقوال:

١- أن الشارع نقلها عن مسماها في اللغة؟

٢- أنها باقية على ما كانت عليه في اللغة إلا أن الشارع زاد في أحكامها؟

٣- أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف؛ فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز، وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة؟

وهذا الخلاف يعود إلى اللفظ إذا حصل الاتفاق على وجوب الرجوع إلى بيان الشارع لهذه الأسماء وتفسيره لها (٢) .

قال ابن تيمية: «والاسم إذا بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حد مسماه لم يلزم أن يكون قد نقله عن اللغة أو زاد فيه، بل المقصود أنه عُرف مراده بتعريفه هو - صلى الله عليه وسلم - كيف ما كان الأمر، فإن هذا هو المقصود.

وهذا كاسم الخمر فإنه قد بين أن كل مسكر خمر (٣) ، فعرف المراد بالقرآن. وسواء كانت العرب قبل ذلك تطلق لفظ الخمر على كل مسكر أو تخص به عصير العنب: لا يحتاج إلى ذلك؛ إذ المطلوب معرفة ما أراد الله ورسوله بهذا الاسم. وهذا قد عرف ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم -» (٤) .


(١) انظر: "روضة الناظر" (٢/١٠ – ١٤) ، و"مجموع الفتاوى" (٧/٢٩٨) ، و"إعلام الموقعين" (٢/١٧٣) .
(٢) وذلك دون تفريق بين الألفاظ الدينية كالإيمان والكفر، وغير الدينية كالصلاة والحج، وعلى ذلك اتفق السلف. إلا أن الخلاف السابق يعود إلى المعنى بالنظر إلى طريقة أهل البدع الذين يعرضون عن بيان الشارع وتفسيره للأسماء الشرعية الدينية – على وجه الخصوص – وهي الألفاظ المتعلقة بأصول الدين.
مثال ذلك: أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق.
انظر: "المستصفى" (٢٦٤) ، و"مجموع الفتاوى" (٧/٢٨٩، ٢٩٨) .
(٣) ورد ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» . رواه مسلم (١٣/١٧٢) .
(٤) "مجموع الفتاوى" (١٩/٢٣٦) .

<<  <   >  >>