للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: أن بيان الشارع لألفاظه وتفسيره لها مقدم على أي بيان (١) .

قال ابن تيمية: «ومما ينبغي أن يُعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم» (٢) .

وقال أيضًا: «فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانًا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك.

فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شافٍ كافٍ» (٣) .

وقد بين رحمه الله أن طريقة أهل البدع إنما هي تفسير ألفاظ الكتاب والسنة برأيهم وبما فهموه وتأولوه من اللغة، والإعراض عن بيان الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهم يعتمدون على العقل واللغة وكتب الأدب (٤) .

رابعًا: إذا عُلم أن بيان الشرع لألفاظه مقدم على كل بيان فالواجب ملاحظة أربعة أمور في هذا المقام:

الأمر الأول: معرفة حدود هذه الألفاظ، والوقوف عند هذا الحد؛ بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه.

قال ابن القيم: «ومعلوم أن الله سبحانه حد لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه؛ وذم من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، والذي أنزله هو كلامه، فحدود ما أنزل الله هو الوقوف عند حد الاسم الذي علق عليه الحل والحرمة» (٥) .


(١) خطاب الشارع وألفاظه تحمل على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر حمله عليها فتحمل على الحقيقة العرفية، ثم الحقيقة اللغوية، ثم المجاز إن دلت عليه قرينة. انظر: "روضة الناظر" (٢/١٤) ، و"شرح الكوكب المنير" (٣/٤٣٥، ٤٣٦) ، و"مذكرة الشنقيطي" (١٧٤، ١٧٥) .
(٢) "مجموع الفتاوى" (٧/٢٨٦) .
(٣) المصدر السابق (٧/٢٨٧) .
(٤) مثال ذلك – وقد تقدم ذكره في الصفحة السابقة تعليقًا – أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق. انظر المصدر السابق (٧/١١٦ – ١١٩، ٢٨٨، ٢٨٩) .
(٥) "إعلام الموقعين" (١/٢٦٦) .

<<  <   >  >>