للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر رحمه الله أن تعدي حدود الله يكون من جهتين:

١- من جهة التقصير والنقص.

٢- من جهة تحميل اللفظ فوق ما يحتمل والزيادة عليه.

فالأول: كإخراج بعض الأشربة المسكرة عن شمول اسم الخمر لها، فهذا تقصير به وهضم لعمومه، والحق ما قاله صاحب الشرع: «كل مسكر خمر» (١) . وفي هذا غنية عن القياس أيضًا.

والثاني: كإدخال بعض صور الربا في التجارة المباحة بحيلة من الحيل، فهذا إدخال ما ليس من اللفظ فيه، وهو يقابل التقصير (٢) .

الأمر الثاني: حمل ألفاظ الكتاب والسنة على عادات عصره - صلى الله عليه وسلم - وعلى اللغة والعرف السائدين وقت نزول الخطاب، ولا يصح أن تحمل هذه الألفاظ على عادات حدثت فيما بعد، أو اصطلاحات وضعها المتأخرون من أهل الفنون (٣) .

قال ابن تيمية: «ولا يجوز أن يحمل كلامه [أي الرسول - صلى الله عليه وسلم -] على عاداتٍ حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه، كما يفعله كثير من الناس وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه» (٤) .

وقال أيضًا: «فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما


(١) رواه مسلم في صحيحه (١٣/١٧٢) ، والحديث تقدم ذكره في (ص٣٧٣) تعليق رقم (٣) من هذا الكتاب.
(٢) انظر: "إعلام الموقعين" (١/٢٢٠) ، و"زاد المهاجر إلى ربه" (١٠) .
(٣) انظر: "مفتاح دار السعادة" (٢/٢٧١، ٢٧٢) ، ويمكن التمثيل لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» . فقد استدل بذلك على أن ما أدركه المسبوق هو آخر صلاته؛ لأن القضاء يطلق على فعل ما فات. مع أن هذه الرواية مخالفة لرواية (فأتموا) . انظر: "بداية المجتهد" (١/٢٣٣) ، "نيل الأوطار" (٣/١٣٤، ١٣٥) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٤٩) .
وانظر فيما يتعلق بتفاوت الاصطلاحات بين السلف المتقدمين والأصوليين المتأخرين المواضع الآتية من هذا الكتاب: أ- النسخ (ص٢٤٦) ، ب- الكراهة (ص٣٠٧) ، ج- التأويل (ص٣٨٥) ، د- المجمل (ص٣٨٨) ، هـ- الاستثناء (ص٤٢٥، ٤٢٦) تعليقًا.
(٤) "مجموع الفتاوى" (٧/١١٥) .

<<  <   >  >>