للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستقراء القرآن يدل على أن هذا القول هو الأصح» (١) .

ثم ذكر رحمه الله أمثلة على هذا الاستقراء فمن ذلك (٢) :

أ- قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] . فالاستثناء راجع للدية فهي تسقط بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولاً واحدًا؛ لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ.

ب- قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} [النساء: ٨٣] ، فالاستثناء ليس راجعًا للجملة الأخيرة {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} ؛ لأن فضل الله ورحمته يمنع اتباع الشيطان بالكلية فلا يحتاج إلى استثناء قليل ولا كثير.

جـ- قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤، ٥] ، فالاستثناء لا يرجع لقوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ؛ لأن القاذف إذا تاب لا يسقط بتوبته حد القذف.

وبهذا الاستقراء يتبين أن الاستثناء الآتي بعد الجمل المتعاطفة قد يعود إليها جميعًا، وقد يعود إلى الجملة الأخيرة دون ما قبلها، وهذا إنما يعرف بأدلة منفصلة.

إلا أن الغالب على الكتاب والسنة وكلام العرب رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل.

قال ابن تيمية: «بل من تأمل غالب الاستثناءات الموجودة في الكتاب والسنة التي تعقبت جملاً وجدها عائدة إلى الجميع.

هذا في الاستثناء، فأما في الشروط والصفات فلا يكاد يحصيها إلا الله. وإذا كان الغالب على الكتاب والسنة وكلام العرب عود الاستثناء إلى جميع


(١) "أضواء البيان" (٥/٧٦٦) . وانظر منه (٦/٨٩ – ٩٢) .
(٢) انظر: "أضواء البيان" (٥/٧٦٦ – ٧٦٨) ، و"دفع إيهام الاضطراب" (٧٦ – ٧٩) .

<<  <   >  >>