للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدلالة أحاديث لا يقطع بها غيرهم، إما لعلمهم بأن الحديث لا يحتمل إلا ذلك المعنى، أو لعلمهم بأن المعنى الآخر يمنع حمل الحديث عليه، أو لغير ذلك من الأدلة الموجبة للقطع" (١) .

أما النوع الثاني وهو الدليل الظني: فهو ما كانت دلالته ظاهرة غير قطعية، أو كان ثبوته غير قطعي.

وحكم هذا النوع: وجوب العمل به في الأحكام الشرعية باتفاق العلماء المعتبرين، أما إن تضمن حكمًا علميًا عقديًا، فمذهب السلف أنه لا فرق بين الأمور العلمية والعملية وأن العقائد تثبت بالأدلة الظنية (٢) .

قال ابن تيمية: "وذهب الأكثرون من الفقهاء وهو قول عامة السلف إلى أن هذه الأحاديث حجة في جميع ما تضمنته من الوعيد.

فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين بعدهم ما زالوا يثبتون بهذه الأحاديث الوعيد كما يثبتون بها العمل، ويصرحون بلحوق الوعيد الذي فيها للفاعل في الجملة.

وهذا منتشر عنهم في أحاديثهم وفتاويهم.

وذلك لأن الوعيد من جملة الأحكام الشرعية التي تثبت بالأدلة الظاهرة تارة، وبالأدلة القطعية تارة أخرى.

ولا فرق بين اعتقاد الإنسان أن الله حرم هذا، وأوعد فاعله بالعقوبة المجملة، واعتقاده أن الله حرمه وأوعده عليه بعقوبة معينة من حيث إن كلاً منهما إخبار عن الله، فكما جاز الإخبار عنه بالأول بمطلق الدليل فكذلك الإخبار عنه بالثاني، بل لو قال قائل: العمل بها في الوعيد أوكد كان صحيحًا، ولهذا كانوا يسهلون في أسانيد أحاديث الترغيب والترهيب ما لا يسهلون في أسانيد أحاديث الأحكام؛ لأن اعتقاد الوعيد يحمل النفوس على الترك، فإن كان ذلك الوعيد حقًا كان الإنسان قد نجا، وإن لم يكن الوعيد حقًا بل عقوبة الفعل أخف من ذلك


(١) "مجموع الفتاوى" (٢٠/٢٥٩) .
(٢) انظر المصدر السابق (٢٠/٢٨٦) ، و"مختصر الصواعق المرسلة" (٤٨٩) .

<<  <   >  >>