للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا القول طاغوت من الطواغيت التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين، وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان.

فأسقطت حرمة النصوص من القلوب، ونهجت طريق الطعن فيها لكل زنديق وملحد، فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به، واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله (١) .

ومما يوضح بطلان هذا القول ويكسر هذا الطاغوت:

أ- أن جميع الاحتمالات التي ذكروها ترجع إلى أمر واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. ولا خلاف أن غالب ألفاظ النصوص لها ظواهر، هي موضوعة لها ومفهومة عند الإطلاق منها. أما كون ذلك الظاهر يحتمل خلافه فهذا قد يقع بهذه الاحتمالات العشرة وبغيرها من القرائن التي يتفاوت الناس في الاطلاع عليها وفي فهمها، فهذا من لوازم الطبيعة الإنسانية، لكنه قليل جدًا بالإضافة إلى ما تيقنه الصحابة من مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بألفاظه، فلا يجوز أن يُدعي لأجله أن كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يفيد اليقين بمراد، وأنه لا سبيل إلى اقتباس العلم واليقين منه (٢) .

ب- أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يعلمون أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاضطرار وكانوا لا يتوقفون على هذه الأمور العشرة في حصول اليقين لهم بمراد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم جازمون متيقنون لمراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يقينًا لا ريب فيه، فكيف يقال مع ذلك لا يحصل اليقين بكلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل كان التابعون وتابعوهم أيضًا ومن بعدهم كذلك (٣) .

جـ- أن قولهم: إن كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يستفاد منه اليقين، إما أن يراد به نفي اليقين في باب الأسماء والصفات، وباب المعاد، وباب الأمر والنهي، أو في بعضها دون بعض.

فإن قالوا: إنها لا تفيد اليقين لا في باب الأسماء والصفات، ولا في المعاد،


(١) انظر: "الصواعق المرسلة" (٢/٦٣٢، ٦٣٣) .
(٢) انظر: "الصواعق المرسلة" (٢/٦٥٧ – ٦٥٩) .
(٣) انظر المصدر السابق (٢/٦٥٩ – ٦٦٣) .

<<  <   >  >>