للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشكرونه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، والعافية والبلاء، ويعبدونه مع معارضة الشهوة وغلبة الهوى، ومعادات بني جنسهم وغيرهم، فلا يصدهم عن عبادته وشكره وذكره والتقرب إليه صاد فإن كانت عبادتكم لي بلا معارض ولا ممانع فعبادة هؤلاء لي مع هذه المعارضات والموانع والشواغل.

وأظهر لهم سبحانه من علمه ما لم يكونوا يعلمون من شرف آدم وفضله؛ فإن الملائكة لما رأته مصورًا فزعت منه، وقالت: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقًا أكرم عليه منا. فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر بذلك فضله وشرفه عليهم. وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله لما أخذ في خلق آدم - عليه السلام - قالت الملائكة: ما الله خالق خلقًا أكرم عليه منا. فابتلوا بخلق آدم، وكل خلق مبتلى، كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة، قال الله: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فُصّلَت: ١١] .

ثم أظهر سبحانه فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خص به دونهم {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البَقَرَة: ٣١] وكان ذلك بعد سجودهم له علمه الأِشياء كلها: ذواتها وصفاتها وأفعالها إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها (١) ثم {عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} [البَقَرَة: ٣١] عرض الخلق على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أني لم أخلق خلقًا إلا كنتم أعلم منه وأكرم.


(١) ولولا ذلك لما فرق بين الغذاء والدواء، ولا بين السموم القاتلة والشفاء، ولا اهتدى بالنجوم في البر والبحر؛ وكان هو المدبر لأولاده مدة حياته، ثم قام بالأمر بعده ولده ... إلخ.

<<  <   >  >>