للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا ما الصَّبُّ أسلمهُ صدودٌ ... إلى بينٍ فمهجتهُ جُبارُ

تباعدَ من هويتَ وأنتَ دانٍ ... فلا تتعبْ فليسَ لكَ اعتذارُ

إذا ما بانَ من تهوى فولَّى ... ولجَّ بكَ الهوَى فالصَّبرُ عارُ

وله أيضاً:

أمرُّ علَى المنزلِ كالغريبِ ... أُسائلُ من لقيتُ عنِ الحبيبِ

وما يغني الوقوفُ علَى الأثافي ... ونُؤيِ الدَّارِ عنْ دنفٍ كئيبِ

حبستُ بها المطيَّ فلمْ تُجبني ... ولمْ ترحمْ بلا شكٍّ نحيبي

فقلتُ لها سكوتُكِ ذا عجيبٌ ... وأعجبُ من سكوتكِ أنْ تُجيبي

شكوْتُ إلى الدِّيارِ فما شفتْني ... بلى شاقتْ إلى وجهِ الحبيبِ

فمنْ يُنجي العليلَ منَ المنايا ... إذا كانَ البلاءُ منَ الطَّبيبِ

[الباب الثلاثون]

من مُنع من البراح تشوَّق بالرِّياح

كلُّ متشوَّقٍ من العشَّاق بنسيم ريحٍ أوْ لمعان برقٍ أوْ سجع حمامٍ فهو ناقصٌ عن حال التَّمام من جهتين إحداهما قلَّة صبره على فقد صاحبه حتَّى يحتاج أن يرى ما يشوقه بذكره والأخرى أنَّ من كانت هذه صفته فإنَّ الصَّبابة لم تتمالك على قلبه فتشغله عن أن يتشوَّق بشيءٍ يلمُّ به غير أنَّ الشَّوق بما ذكرناه إنَّما يقصِّر بأهله عن درجة الكمال وليس بمدخلٍ لهم في جملة الموصوفين بالنَّقص والإخلال ومن مختار ما قيل في الشَّوق بالرِّياح.

قول ذي الرمة:

إذا هبَّتِ الأرياحُ من نحوِ جانبٍ ... بهِ أهلُ ميٍّ هاجَ شوقي هبوبُها

هوًى تذرفُ العينانِ منهُ وإنَّما ... هوى كلِّ نفسٍ حيثُ حلَّ حبيبُها

وقال آخر:

وقدْ عاودتْنا الرِّيحُ منها بنفحةٍ ... علَى كبدٍ من طيبِ أرواحها بردُ

عِديني بنفسي أنتِ وعداً فربَّما ... جلا كربةَ المكروبِ عن قلبه الوعْدُ

فقدْ بتُّ لا قومٌ ولا كبليَّتي ... ولا مثلُ وجدي في الشِّفا بكمُ وجدُ

وقال مجنون بني عامر:

أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا ... طريقَ الصَّبا يخلصْ إليَّ نسيمُها

أجدْ بردَها أوْ تشفِ منِّي حرارةً ... علَى كبدٍ لمْ يبقَ إلاَّ صميمُها

فإنَّ الصَّبا ريحٌ إذا ما تنسَّمتْ ... علَى نفسِ مغمومٍ تجلَّتْ غيومُها

وقال ابن الدمينة:

وقدْ جعلتْ ريَّا الجنوبِ إذا جرتْ ... علَى ضعفِها تبدَا لنا وتطيبُ

جنوبٌ بريَّا مِنْ أُميمةَ تغتدِي ... حجازيَّةً عُلويةً وتؤوبُ

وقالت وجيهة بنت أوس الضبية:

فلو أنَّ ريحاً بلَّغتْ وحْيَ مُرسل ... حفِيِّ لناجيتُ الجنوبَ علَى النَّقبِ

فقلتُ لها أدِّي إليهمْ تحيَّتي ... ولا تخلطيها طالَ سعدكِ بالتُّربِ

فإنِّي إذا هبَّتْ شمالٌ سألتُها ... هلِ ازدادَ صدَّاحُ النُّميرةِ مِنْ قربِ

وقال يزيد بن الطثرية:

إذا ما الرِّيحُ نحوَ الأثلِ هبَّتْ ... وجدتُ الرِّيحَ طيِّبةً جنوبا

فماذا يمنعُ الأرواحَ تسرِي ... بريَّا أُمِّ عمرو أنْ تطيبا

أليستْ أُعطيتْ في حسنِ خلقٍ ... كما شاءتْ وجُنِّبتِ العيوبا

وقال آخر:

خليليَّ مِنْ سكانَ مُرَّانَ هاجَني ... سكونُ الجنوبِ مرَّةً وابتسامُها

فإنْ تسأَلاني ما دوائِي فإنَّني ... بمنزلةٍ أعيَى الطَّبيبَ سقامُها

وقال صخر الحرمازي:

لعمركَ ما ميعادُ عينيكَ بالبُكا ... بداراءَ إلاَّ أنْ تهبَّ جنوبُ

أُعاشرُ في داراءَ مَنْ لا أُحبُّهُ ... وبالرَّملِ مهجورٌ إليَّ حبيبُ

وقال آخر:

عليكِ سلامُ اللهِ أمَّا قلوبُنا ... فمرضَى وأمَّا ودُّنا فصحيحُ

وإنِّي لأستسقِي بكلِّ سحابةٍ ... تمرُّ بها منْ نحوِ أرضكِ ريحُ

قال آخر:

هوَى صاحِبي ريحُ الشَّمالِ إذا جرتْ ... وأهوَى لنفسي أنْ تهبَّ جنوبُ

وما ذاكَ إلاَّ أنَّها حينَ تنتهي ... تناهَى وفيها مِنْ أُميمةَ طيبُ

فويلِي منَ العذَّالِ ما يترُكونني ... بغمِّي أمَا في العاذلينَ لبيبُ

يقولُونَ لو عزَّيتَ قلبكَ لارْعَوى ... فقلتُ وهلْ للعاشقينَ قلوبُ

وقال مهدي بن الملوح:

إذا الرِّيحُ مِنْ نحوِ الحبيبِ تنسَّمتْ ... وجدتُ لريَّاها علَى كبدِي بردَا

<<  <   >  >>