للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً:

رأيتُ لها ناراً تُشبُّ ودونَها ... بواطنُ من ذِي رجرجٍ وظواهرُ

فخفَّضتُ قلبِي بعدَما قلتُ إنَّه ... إلى نارِها مِنْ عاصفُ الشَّوقِ طائرُ

فقلتُ لعمرٍو تلكَ يا عمرُو دارها ... تُشبُّ بها نارٌ فهلْ أنتَ ناظرُ

تقادمَ منِّي العهدُ حتَّى كأنَّني ... تذكَّرتُها مِنْ طولِ ما مرَّ هاجرُ

وفي مثلِ ما جرَّبتُ منذُ صحبتَني ... عذرتَ أيا يحيَى لَوَ انَّكَ عاذرُ

كريمٌ يُميتُ السِّرَّ حتَّى كأنَّهُ ... عَمٍ بنواحِي أمرِها وهوَ خابرُ

إذا قلتُ أنْساها وأخلقَ ذكرُها ... تنثَّتْ بذكْراها همومٌ نوافرُ

وقال أيضاً:

أمنْ خُليدةَ وهناً شُبَّتِ النَّارُ ... ودونَها مِنْ ظلامُ اللَّيلِ أستارُ

باتتْ تُشبُّ وبتْنا اللَّيلَ نرقبُها ... تُعنَى قلوبٌ بها مرضَى وأبصارُ

يا حبَّذا تلكَ مِنْ نارٍ وموقدُها ... وأهلُنا باللِّوى إذْ نحنُ أجوارُ

خُليدُ لا تبعدِي ما عنكِ إقصارُ ... وإنْ بخلتِ وإنْ شطَّتْ بكِ الدَّارُ

فما أُبالي إذا أمسيتِ جارَتَنا ... مقيمةً هلْ أقامَ النَّاسُ أمْ سارُوا

لو دبَّ حوليُّ ذَرٍّ تحتَ مدرعِها ... أضحَى بها منْ دبيبِ الذَّرِّ آثارُ

وقال أيضاً:

يا موقدَ النَّارِ بالعلياءِ مِنْ إضَمِ ... أوقدْ فقدْ هجتَ شوقاً غيرَ منصرمِ

يا موقدَ النَّارِ أوقدْها فإنَّ لها ... سَناً يهيجُ فؤادَ العاشقِ السَّدمِ

نارٌ أضاءَ سناها إذْ تشبُّ لنا ... سعديَّةً دلُّها يشفي منَ السَّقمِ

ولائمٍ لامَني فيها فقلتُ لهُ ... قد شفَّ جسمي الَّذي ألقَى بها ودَمي

فما طربتَ لشجوٍ كنتَ تأملهُ ... ولا تأمَّلتَ تلكَ الدَّارِ مِنْ أممِ

وقال آخر:

كأنَّ فؤادي في يدٍ علقتْ بهِ ... محاذرةً أن يقضبَ الحبلَ قاضبهْ

وأُشفقُ مِنْ وشكِ الفراقِ وإنَّني ... أظنُّ لمحمولٌ عليهِ فراكبهْ

نظرتُ ودونِي السُّحقُ مِنْ نخلِ بارقٍ ... بنظرةِ سامِي الطَّرفِ حجنٍ مخالبهْ

لأُبصرَ ناراً بالجواءِ ودونَها ... مسيرةُ شهرٍ لا يعرِّسُ راكبهْ

فواللهِ ما أدرِي أغالَبَني الهوَى ... إلى أهلِ تلكَ الأرضِ أمْ أنا غالبهْ

فإنْ أستطعْ أغلِبْ وإنْ يغلبِ الهوَى ... فمثلُ الَّذي لاقيتُ يُغلبُ صاحبهْ

وقال آخر:

أحقّاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ رائياً ... أُميمةَ إنْ حاضرتُ أوْ كنتُ بادِيا

ولا مبصراً بالأجرعِ الفردِ نارَها ... ولا ثانياً يُمنى يديْهَا وِسادِيا

ولا قائلاً تَقضي الدُّيونَ فإنَّها ... ديونُ غريمٍ ما أساءَ التَّقاضيا

ولبعض أهل هذا العصر:

أرقتُ لنارٍ بالطُّليحةِ أُوقدتْ ... تراءَتْ للحظِ العينِ ثمَّ تستَّرتْ

علتْ وخبتْ ثمَّ انجلتْ وتطاولتْ ... علَى هضباتِ الرَّملِ ثمَّ تخفَّضتْ

فلمْ يخبُ شوقِي إذْ خبتْ بلْ تلهَّبتْ ... صبابةُ قلبي بالهوى لمَّا تلهَّبتْ

وما ردَّ عنها الطَّرفَ بعدُ مكانِها ... ولكنْ دموعُ العينِ لمَّا تهلَّلتْ

ذكرتُ بها الدَّهرَ الَّذي ليسَ عائداً ... وما نُسيَتْ أيَّامهُ بلْ تُنُسِّيَتْ

فما أنصفتْ أذكتْ هوًى حينَ أُذكِيَتْ ... ولمْ تُطفَ نيرانُ الهوَى حينَ أُطفئتْ

[الباب الثالث والثلاثون]

في نوحِ الحَمامِ أُنسٌ للمنفردِ المُستهامِ

ذكروا أنَّ مجنون بني عامر رقد ليلةً تحت شجرةٍ فانتبه بتغريد طائرٍ فأنشأ:

لقدْ هتفتْ في جنحِ ليلٍ حمامةٌ ... علَى فننٍ تدعُو وإنِّي لنائمُ

فقلتُ اعتذاراً عندَ ذاكَ وإنَّني ... لنفسِي فيما قدْ رأيتُ للائمُ

أأزعمُ أنِّي عاشقٌ ذو صبابةٍ ... بليلَى ولا أبكِي وتبكِي الحمائمُ

كذبتُ وبيتِ اللهِ لوْ كنتُ عاشقاً ... لمَا سبقَني بالبكاءِ الحمائمُ

وقال شقيق بن سليك الأسدي:

ولمْ أبكِ حتَّى هيَّجتْني حمامةٌ ... بعَبْنِ الحمامِ الوُرقِ فاستخرجتُ وجدِي

فقد هيَّجتْ منِّي حمامةُ أيكةٍ ... منَ الوجدِ شوقاً كنتُ أكتمهُ جُهدِي

<<  <   >  >>