للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن سبب إخراج خزاعة جرهماً من مكة حفظ خزاعة لهذه الوصية وعلمهم بها وثباتهم عليها، حتى استولوا على البيت دون جرهم، ونفوا جرهماً عن مكة وأخرجوها من أرض الحجر إلى الأصدار من دوقة والسقف من فنونى. ويقال: إن بقايا جرهم بها إلى اليوم.

وفي ذلك يقول قائل جرهم:

ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... وأهلِي معي بالمأزِمينِ حُلولُ

وهل تُصبحُ الخيلُ الوحى وتردها ... بدارِ بني كعبٍ لهُنَّ صهيلُ

عليها بنُو هيٍّ ورهُط مسلّم ... وآل مضاضٍ في الحُروبِ تجُولُ

منازِلُ كُنَّا أهلهَا فأزالَنا ... زمانٌ نبا بالصَّالحين خذولُ

فأضحَتْ بنُو كعبٍ وهُم أهلُ عِزِّها ... وغالَت بَنِي سعدٍ بِمكَّة غُولُ

قوله: فأضحت بنو كعب، يريد بذلك خزاعة. وأما سعد فبيت الرئاسة من جرهم.

فأجابه عمرو بن ربيعة بن كعب الخزاعي حيث يقول:

تمَّنيت أن تلقَى من الدهر ترحه ... وذا معجب منه عليك مهول

تمنَّى أمانَي الذَّليلُ وإنَّما ... تفُتكَ رجالٌ ذادةٌ وخُيولُ

فَحُلَّ بأرضِ الحِجرِ إنْ كنتُ فاعلاً ... فإنِّي لكُمْ بالمجحِفاتِ كفيلُ

ففي ذلك يقول مضاض بن عمرو الجرهمي حيث يقول:

وكُنَّا وُلاةَ البيتِ والقاطِن الَّذي ... يُوفِّي إليهِ نَذرهُ كُلُّ محرمِ

سكنَّا بهِ قبلَ الظِّبَاءِ وراثةً ... لنا من بني هيِّ بن بيِّ بن جُرهُمِ

فأزعجنَا منهُ وكُنَّا وُلاتهِ ... قبائلُ من كعبِ بن عمروٍ وأسلمِ

فأجابه الأعصم بن مالك الخزاعي حيث يقول:

بغاكَ عن البيتِ المُحرَّمِ معشرِي ... رموكَ بطلَّاعِ الثَّنايا عرمرمِ

فحازُوا موارِيثَ ابنِ نبتٍ لأنَّهُم ... أحقُّ وأولى مِنكَ عمروَ بنَ جُرهُمِ

وللحيين خزاعة وجرهم في ذلك أخبار وأشعار، ملنا عن شرحها إلى ما احتجنا إليه في هذا الكتاب.

[وصية عمرو بن لحي الخزاعي]

وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عمرو بن لحي الخزاعي وصى أبناءه كعباً وعدياً وسعداً فقال: " من البسيط "

بنيَّ إنِّي أرى فيما أرى عجباً ... ولم يزلْ في بَنِي الدُّنيا الأعاجيبُ

أرى القبائِلَ في غورٍ وفي نجدٍ ... من عَزَّ بَزَّ فسلابٌ ومسلُوبُ

وكُلُّ مَنْ ليس في الأجيادِ أصرخَ عِندَ الهزاهِزِ مأكُولٌ ومشروبُ

مَنْ لم يكُنْ منِهُمُ ذِئباً يُخافُ لهُ ... بأسٌ وبطشٌ وإلا غالَهُ الذِّيبُ

وأوهَنُ القومِ فيما بينَ أسرتِهِ ... وبينَ غيرهمُ لا شَكَّ مغلُوبُ

قُومُوا قياماً على أمشاطِ أَرجُلِكُمْ ... وما قضى اللهُ من أمرٍ فمكتُوبُ

ما يحتوِي المُلك في الدُّنيا وزُخرفِها ... إلا امرُؤٌ في صدورِ النَّاسِ مهيوبُ

إنَّا لنعلمُ ما بالأمسِ كانَ لنا ... وما يكونُ غداً عَنَّا فمحجُوبُ

وكُلُّ خيرٍ مضى أو نالَهُ سلفٌ ... للمرءِ في اللَّوحِ عندَ اللهِ محسوبُ

كُونُوا كِراماً وذُودُوا عن عَشِيرتكُمْ ... وَجَالدُوا دُونَهَا ما حنَّتِ النِّيبُ

وشيِّدُوا المجدَ ما مَدَّ الزَّمانُ بِكُمْ ... فإنَّهُ عَلَمٌ لِلمُلكِ منصُوبُ

ذُو الجُودِ يلقى العُلا في غيرِ مَعشَرِهِ ... وذُو الضَّنانَةِ في حيَّيهِ مَنكُوبُ

تلقى الكرِيمَ شُجاعاً في مسالِكِهِ ... والبُخلُ صاحِبُهُ حيرانُ مرعُوبُ

هاتَا وصاتي وفيما تُبتَلُونَ بِهِ ... من الزَّمانِ لكُمْ بَعدي التَّجارِيبُ

[وصية جفنة بن ثعلبة]

وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن جفنة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أقبل على بنيه، فقال لهم: يا بني تنافسوا في المكارم، وتجنبوا ما يعدو بكم عنها، فإني إخالكم دون هذا للأيام ملوكاً، ولا يكون الملك ملكاً يا بني حتى يكون منصفاً عدلاً، ويكون للأموال باذلاً، ويكون شجاعاً مقاتلاً عظيماً حليماً لبيباً حكيماً لا غشوماً ولا ظلوماً. ولقد رأيتكم يا بني وفيكم هذه الخصال التي عددتها. ثم إني وايم الله أعرفكم بها دون هذا الناس. ولقد نشرت ملككم قبل أن تولدوا، فياليت من شهدني يومئذ من إخواني وأعمامي كان شاهدي في يومي هذا. ثم أنشأ يقول:

<<  <   >  >>