للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم انشد متمثلا:

وكائن ترى من صامت معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... ولم يبق إلاّ صورة اللحم والدم!

ويحكى أيضاً إنَّ رجلا كان يكثر مجالسه أبي يوسف ويطيل الصمت. فقال له أبو يوسف يوما: إلاّ تسأل؟ فقال: بلى! متى يفطر الصائم؟ فقال: إذا غربت الشمس. قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وتمثل بقول أبي الخطفا:

عجبت لإزراء الغبي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالعلم اعلما

وفي الصمت ستر للغبي وإنّما ... صحيفة لب المرء إنَّ يتكلما

ومن معنى هذا الشعر قول الآخر:

المرء يعجبني وما كلمته ... ويقال لي: هذا اللبيب اللهذم

فإذا قدحت زناده وسبرته ... في كف زاف كما يزف الدرهم

وقول الآخر:

ترى الناس أشباها إذا جلسوا معا ... وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم

وقال عدي بن الرقاع:

الناس أشباه وبين حلومهم ... بون كذلك تشابه الأشياء

ومن معنى الحكايتين المذكورتين، من سؤال المغافلين، ما يحكى عن الإمام الماوردي، رحمه الله، قال: كنت بمجلس درسي بالبصرة، فدخل علي شيخ مسن قد ناهز الثمانين أو جاوزها، قال: قصدتك بمسألة اخترتك لها. فقلت: ما هي؟ وظننت إنّه يسأل عن حادثة نزلت به. فقال عن طالع إبليس وطالع آدم من النجوم ما هو؟ فإنَّ هذين لعظيم شأنهما، لا يسأل عنهما إلاّ علماء الدين. قال، فعجبت وعجب من في المجلس من سؤاله. وبادر إليه قوم منهم بالإنكار والاستخفاف، فكففتهم وقلت: هذا لا يقنع مع ما ظهر من حاله، إلاّ بجواب مثله! فأقبلت عليه وقلت: يا هذا، إنَّ النجمين يزعمون إنَّ نجوم الناس لا تعرف إلاّ بمعرفة مواليدهم. فإنَّ ظفرنا بمن يعرف وقت ميلادهما أخبرك بالطالع. فقال: جزاك الله خيرا! وانصرف مسرورا. فلما كان بعد أيام

<<  <  ج: ص:  >  >>