للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المثل يضرب لمن يخبرك بسره، وما انطوت عليه ضاوعه.

وأصله أنَّ رجلا ساوم آخر في بكر فقال: ما سنه؟ قال: بازل. ثم نفر البكر. فدنا إليه صاحبه يسكنه وجعل يقول: هدع! هدع! وهي كلمة يسكن بها الصغار من الإبل. فلما سمعه المشتري قال: صدقني سن بكره. وهو أما أنَّ يكون برفع سن على إسناد الصدق إليه مجاز، وأما بنصبه على حذف المضاف أو الجار، أي: صدقني خبر سن بكره، أو في سن بكره، وهما وجهان في المثل، وفاعل الفعل على هذا البائع، وهو أما أنَّ يكون صدقه إياه بأخباره الأول إنّه بازل، ويكون خرج مخرج الهزء والسخرية أو بكلامه الثاني الذي يسكن به البعير وهو الأظهر.

[أصدق من القطا.]

الصدق مر؛ والقطا طائر معروف، وتقدم أيضاً، قيل: وسميت قطا لأنها تقول في صوتها: قطا! قطا! فسميت بحكاية صوتها. ومن ثم قالوا: أصدق من القطا وأنسب من القطا قال الكميت:

لا تكذب القول إنَّ قالت قطا صدقت ... إذ كل ذي نسبة لابد ينتحل

[صدقك يبني عنك لا الوعيد.]

الصدق مر؛ ويبني، من النبوة وهو الارتفاع. تقول: نبأ الشيء غير مهموز، ينبو، نبوة، أي أرتفع؛ ونبا الشيء عن الشيء: تجافى عنه ولم يعمل فيه أو لم يطمئن عليه. قال الشاعر:

إنَّ جنبي عن الفراش لنائب ... كتجافي الأسر فوق الظراب

والأسر: البعير يصيبه السرر داء في صدره يمنعه البروك والطمأنينة، وانبيته عني: جافيته ودافعته؛ والوعيد: الوعد بشر.

والمعنى أنَّ صدقك في لقائك عدوك ودفاعهم هو الذي يدفعهم عنك، لا وعيدك إياهم من غير فعل. وكذا كل أمر تزاوله إنّما يظفرك منه بما ترغب، وينجيك مما ترهب،

<<  <  ج: ص:  >  >>