للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيا: المعرفة في الإسلام "مدخل ابستمولوجي"]

[مدخل]

...

ثانيا: المعرفة في الإسلام "مدخل أبستمولوجي"

شغل علماء المسلمين بالبحث في العلوم والمعارف وأنواعها وتصنيفاتها والمفاضلة بينها. ويقول ابن خلدون: "ومن الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم من العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي". "والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة ... والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين". وقد فاضل علماء المسلمين بين العلوم شريفها ووضيعها ومحمودها ومذمومها. وكانت الفلسفة أكثر العلوم موضعا للجدل. فقد نظر إليها الغزالي على أن كثيرها مذموم لما تؤدي إليه من الشك أو الإلحاد، واعتبرها ابن خلدون صناعة عاطلة.

وقد ورد عن الجاحظ أنه مدح الفلسفة وذمها فيما مدحه وذمه من العلوم معربا عن قدرته على الكلام وبعد شأوه في البلاغة. قال مادحا الفلسفة: إنها أداة الضمائر وآلة الخواطر ونتائج العقل وأداة لمعرفة الأجناس والعناصر وعلم الأعراض والجواهر، وعلل الأشخاص والصور واختلاف الأخلاق والطبائع والسجايا والغرائز. وقال في ذم الفلسفة: إنها كلام مترجم وعلم مرجم بعيد مداه قليل جدواه مخوف على صاحبه سطوة الملوك وعداوة العامة. ومن المعروف أن الجاحظ كان من المعتزلة وهي إحدى فرق الكلام الإسلامية التي تحتكم إلى العقل في منهجها الفلسفي.

وهكذا نجد أن المتقدمين من المسلمين قد اختلفوا في تقديرهم للفلسفة بين مادح وقادح، لكنهم لم يصلوا إلى درجة المبالغة في معاداة الفلسفة وتحريم الاشتغال بها على غرار ما نجده عند بعض علماء المسلمين الذين جاءوا في فترة متأخرة. فالشهرزوري أحد علماء القرن الثالث عشر يذكر في فتواه فيمن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعلما وتعليما قوله:

الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة.. من تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان.. وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه من إباحة الشارع ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين ... ومن زعم أن يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به. فالواجب على السلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم عن المدارس ويبعدهم ويعاقب على الاشتغال بفنهم "مصطفى عبد الرازق: ص٨٥".

<<  <   >  >>